للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من عجائب خلقه يثيبك الله، فحمدتُ الله عَلَى مَا بشرني بِهِ جِبْرِيل، وعَلى مَا رأيتُ من عجائب ذَلِكَ الْبَحْر، ثُمَّ جاوزنا بِإِذن الله متصعدين إِلَى عليين حَتَّى انتهينا إِلَى بَحر من نَار يتلظى نَارا، ويستعر استعارًا، ويَمُوجُ موجًا ويأكلُ بعضه بَعْضًا، ولناره شُعَاع ولَهب سَاطِع وَفِيه دوِي ومعمعة وَهُوَ هائل، فَلَمَّا نظرتُ إِلَيْهِ وامتلأت خوفًا ورعبًا وظننتُ أَن كل شَيْء من خلق الله قد التهبَ نَارا وَغشيَ بَصرِي حَتَّى رددت يَدي عَلَى عَيْني لما رَأَيْت من هول تِلْكَ النَّار فنظرتُ إِلَى جِبْرِيل فَعرف مَا بِي من الْخَوْف، فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد لَا تخف تثبت وتَجلد بِقُوَّة الله تَعَالَى واعرف فضل مَا أَنْت فِيهِ وَإِلَى مَا أَنْت سَائِر، وَخذ مَا يُرِيك الله من آيَاته وعجائب خلقه بشكر، فحمدت الله عَلَى مَا رَأَيْت من عجائب تِلْكَ النَّار ثُمَّ جاوزناها بِإِذن الله متصعدين إِلَى عليين حَتَّى انتهينا إِلَى جبال الثَّلج بَعْضهَا خلف بعض لَا يحصيها إِلَّا الله، شوامخ منيعة الذرى فِي الْهَوَاء وثلجها شَدِيد الْبيَاض لَهُ شُعَاع كشعاع الشَّمْس، فنظرتُ فَإِذا هُوَ يرعد كَأَنَّهُ مَاء يجْرِي فحار بَصرِي من شدَّة بياضه وتعاظمني مَا رَأَيْت من كَثْرَة الْجبَال وارتفاع ذراها فِي الْهَوَاء حَتَّى ثَبت عَيْنَايَ عَنْهَا فَقَالَ لي جِبْرِيل لَا تَخف يَا مُحَمَّد وَتثبت لِما يُرِيك الله من عجائب خلقه، فحمدتُ الله عَلَى مَا رأيتُ من عظم تِلْكَ الْجبَال ثُمَّ جاوزناها بِإِذن الله متصعدين إِلَى عليين حَتَّى انتهينا إِلَى بَحر آخر من نَار تزيد ناره أضعافًا لَهبًا وتلظيًا واستعارًا وأمواجا ودويا ومعمعة وَهولا وَإِذا جبال الثَّلج بَين النَّار وَلَا تطفئها، فَلَمَّا وقف بِي عَلَى ذَلِكَ وهول تِلْكَ النَّار استحملني من الْخَوْف والفزع أَمر عَظِيم واستقبلتني الرعدة حَتَّى ظننتُ أَن كل شَيْء من خلق رَبِّي قد التهب نَارا لما تفاقم أمرهَا عِنْدِي ورأيتُ من فظاعة هولها، فَنظر إليَّ جِبْرِيل، فَلَمَّا رأى مَا بِي من الْخَوْف والرعدة، قَالَ سُبْحَانَ الله يَا مُحَمَّد مَالك أَأَنْت مواقع هَذِه النَّار فَمَا كل هَذَا الْخَوْف إنّما أَنْت فِي كَرَامَة الله والصعود إِلَيْهِ ليريك من عجائب خلقه وآياته الْكُبْرَى فاطمئن برحمة رَبك وَأَقْبل مَا أكرمك بِهِ فَإنَّك فِي مَكَان لَمْ يصل إِلَيْهِ آدَمِيّ قبلك قطّ، فَخذ مَا أنتَ فِيهِ بشكرك وَتثبت لِما ترى من خلق رَبك ودع عَنْك من خوفك، فَإنَّك آمن مِمَّا تخَاف، وَإِن كنت تعجب مِمَّا تَرَى فَمَا أَنْت رَاء بعد هَذَا أعجبُ مِمَّا رَأَيْت قبل ذَلِكَ، فأفرغ روعي وهدأتُ نَفسِي فحمدتُ الله عَلَى مَا رَأَيْت من عجائب آلائه، ثُمَّ جاوزنا تِلْكَ النَّار متصعدين حَتَّى انتهينا إِلَى بَحر من مَاء وَهُوَ بَحر البحور لَا أُطِيق أصفه لكم غير أَنِّي لم آتٍ عَلَى موطن من تِلْكَ المواطن الَّتِي حدثتكم كنت فِيهِ أَشد فَزعًا وَلَا هولاً مني حِين وقف بِي عَلَى ذَلِكَ الْبَحْر من شدَّة هوله وَكَثْرَة أمواجه وتراكب أواذيه والأذي هُوَ الموج الْعَظِيم كالجبال الرواسِي بَعْضهَا فَوق بعض محبوك بغوارب يَعْنِي طرائق وَهِي الأمواج الصغار فتعاظمني مَا رَأَيْت من ذَلِكَ الْبَحْر حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ لَمْ يبْق شَيْء من خلق الله إِلَّا قد غمره ذَلِكَ المَاء فَنظر إليّ جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد لَا تَخف من هَذَا فَإنَّك إِن رعبت من هَذَا فَمَا بعد هَذَا أروع وَأعظم، هَذَا خلق وإنّما نَذْهَب إِلَى الْخَالِق رَبِّي وَرَبك وَرب كل شَيْء فجلا عني مَا كَانَ يستحملني من الْخَوْف واطمأننتُ برحمة رَبِّي فنظرتُ فِي ذَلِك الْبَحْر

<<  <  ج: ص:  >  >>