للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرَأَيْت خلقا عجبا فَوق وصف الواصفين قلت يَا جِبْرِيل أَيْنَ مُنْتَهى هَذَا الْبَحْر وَأَيْنَ قَعْره، قَالَ جَاوز قَعْره الأَرْض السَّابِعَة السفلي إِلَى حَيْثُ شَاءَ الله هَيْهَات هَيْهَات شأنُ هَذَا الْبَحْر وَمَا فِيهِ من خلق رَبك أعظم وأعجب مِمَّا ترى يَا مُحَمَّد، فرميت ببصري فِي نواحيه فَإِذا أَنَا فِيهِ بملائكة قيام قد غمروا بخلقهم خلق جَمِيع الْمَلَائِكَة وبذوا بنورهم نور جَمِيع الْمَلَائِكَة لعظم أنوارِهم وَكَثْرَة أجنحتهم فِي اخْتِلَاف خلقهَا نَاشِرَة خلف أَطْرَاف السَّمَوَات وَالْأَرضين، خَارِجَة فِي الْهواء تخفق بالتسبيح لله تَعَالَى قد جَاوَزت الْهَوَاء حَيْثُ شَاءَ الله لَهُمْ من نورهم وهج من تلألؤ نورهم كوهج النَّار، فلولا أَن الله تَعَالَى أيدني بقوته، ومنَّ عَليّ بالثبات، وألبسني جنَّة من رَحمته فكلأني بِهَا، لتخطف نورهم بَصرِي ولأحرقت وُجُوههم جَسَدِي وَلَكِن برحمة الله وتَمام نعْمَته عَليّ دَرأ عني وهج نورهم وحدد بَصرِي لرؤيتهم فنظرتُ إِلَيْهِم فِي مقامهم فَإِذا مَاء الْبَحْر وَهُوَ بَحر البحور فِي كثافته وَكَثْرَة أمواجه وأمواج أواذيه لَمْ يُجاوز ركبهمْ قلت يَا جِبْرِيل مَا هَذَا الْبَحْر الَّذِي قد غمر البحور كلهَا وَقد كدتُ أنسى من شدَّة هوله وَكَثْرَة مَائه كل عجب رَأَيْت من خلق الله وَمَعَ بعد قَعْره لَم يُجَاوز ركبهمْ فَأَيْنَ مُنْتَهى أَقْدَامهم قَالَ يَا مُحَمَّد قد أَخْبَرتك عَن شَأْن هَذَا الْبَحْر وَعَن عجائب هَذَا الْخلق الَّذِي فِيهِ مُنْتَهى أَقْدَامهم عِنْدَ أصل هَذَا المَاء الَّذِي فِي قَعْر هَذَا الْبَحْر ومنتهى رؤوسهم عِنْدَ عرش رب الْعِزَّة وَإِذا لَهم دوِي بالتسبيح لَو سَمِعَ أهل الأَرْض صَوت ملك وَاحِد مِنْهُم لصعقوا أَجْمَعُونَ وماتوا وَإِذا هُمْ يقولونَ سُبْحَانَ الله وبِحمده سُبْحَانَ الله الْعَظِيم الْحَيّ القيوم سُبْحَانَ الله وبِحمده سُبْحَانَ الله الْعَظِيم سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله القدوس فحمدت الله عَلَى مَا رأيتُ من عجائب ذَلِكَ الْبَحْر وَمن فِيهِ ثُمَّ جاوزناهم بِإِذن الله إِلَى عليين حَتَّى انتهينا إِلَى بَحر من نور قد علا نوره وسطع فِي عليين فرأيتُ من شُعَاع تلألؤه أمرا عَظِيما لَو جهدت أَن أصفه لكم مَا اسْتَطَعْت ذَلِكَ غير أَن نوره بذكل نور وغمر لَك نَار وَعلا كل شُعَاع رَأَيْته قبل ذَلِكَ مِمَّا حدثتكم، فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ كَاد شعاعه يخطف بَصرِي وَلَقَد كل وعشى دونه حَتَّى جعلت لَا أبْصر شَيْئا كَأَنِّي إنّما أنظرُ إِلَى ظلمَة لَا إِلَى نور، فلمّا رأى جِبْرِيل مَا بِي قَالَ اللَّهُمَّ ثبته بِرَحْمَتك وأيده بقوتك وأتمم عَلَيْهِ نِعْمَتك فَلَمَّا دَعَا لي بذلك جلى عَن بَصرِي وحدده الله لرؤية شُعَاع ذَلِكَ النُّور ومنَّ عَليّ بالثبات لذَلِك، فنظرتُ إِلَيْهِ وقلبت بَصرِي فِي نواحي ذَلِكَ الْبَحْر فَلَمَّا امْتَلَأت عَيْني ظننتُ أَن السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين وكل شَيْء متلألأ نورا ومتأجج نَارا ثُمَّ حَار بَصرِي حَتَّى ظَنَنْت أَن نوره يَتلون عَلَى مَا بَين الْحمرَة والصفرة وَالْبَيَاض والخضرة ثُمَّ اختلطن والتبسن جَمِيعًا حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ قد أظلم من شدَّة وهجه وشعاع تلألؤه وإضاءة نوره فنظرتُ إِلَى جِبْرِيل فَعرف مَا بِي فَأَنْشَأَ يَدْعُو لي الثَّانِيَة بِنَحْوِ من دُعَائِهِ الأول فَرد الله إليّ بَصرِي برحمته وحدده لرؤية ذَلِكَ وأيدني بقوته حَتَّى ثَبت وَقمت لَهُ وهون ذَلِكَ عَليّ بمنه حَتَّى جعلت أقلب بَصرِي فِي أواذي نور ذَلِكَ الْبَحْر فَإِذا فِيهِ مَلَائِكَة قيام صفا وَاحِدًا متراصين كلهم متضايقين بَعضهم فِي بعض قد أحاطوا بالعرش واستداروا حوله فلمّا نظرت

<<  <  ج: ص:  >  >>