للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سماهُ الله تسنيمًا لِأَنَّهُ يتسنم عَلَى أهل الْجنَّة من تَحت الْعَرْش إِلَى دُورهمْ وقصورهم وَبُيُوتهمْ وغرفهم وخيمهم، فيمزجون بِهِ أشربتهم من اللَّبن وَالْعَسَل وَالْخمر فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا} أَي يقودونَها قودًا إِلَى منازلهُمْ وَهِي من أشرف شراب فِي الْجنَّة ثُمَّ انْطلق يطوفُ بِي فِي الْجنَّة حَتَّى انتهينا إِلَى شَجَرَة لَم أر فِي الْجنَّة مثلهَا، فلمّا وقفتُ تحتهَا رفعتُ رَأْسِي فَإِذا أَنَا لَا أرى شَيْئا من خلق رَبِّي غَيرهَا لعظمها وتفرق أغصانِها ووجدتُ مِنْهَا ريحًا طيبَة لَم أَشمّ فِي الْجنَّة أطيب مِنْهَا ريحًا فقلبتُ بَصرِي فِيهَا فَإِذا وَرقهَا حلل من طرائف ثِيَاب الْجنَّة مَا بَين الْأَبْيَض والأحمر والأصفر والأخضر وثمارها أَمْثَال القلال الْعَظِيم من كل ثَمَرَة خلق الله فِي السَّمَاء وَالْأَرْض من ألوان شَتَّى وطعوم وريح شَتَّى فعجبتُ من تِلْكَ الشَّجَرَة وَمَا رَأَيْت من حسنها، فقلتُ يَا جِبْرِيل مَا هَذِه الشَّجَرَة قَالَ هَذِه الَّتِي ذكرهَا الله فِيمَا أنزل عَلَيْك وَهُوَ قَوْله {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآب} فَهَذِهِ طُوبَى يَا رَسُول الله وَلَك ولكثير من أهلك وَأمتك فِي ظلها أحسن مُنْقَلب ونعيم طَوِيل، ثُمَّ انْطلق بِي جِبْرِيل يطوفُ بِي فِي الْجنَّة حَتَّى انْتهى بِي إِلَى قُصُور فِي الْجنَّة من ياقوت أَحْمَر لَا آفَة فِيهَا وَلَا صدع، فِي جوفها سَبْعُونَ ألف قصر فِي كل قصر مِنْهَا سَبْعُونَ ألف دَار فِي كل دَار مِنْهَا سَبْعُونَ ألف بَيت فِي كل بَيت مِنْهَا سَرِير من درة بَيْضَاء لَهَا أَرْبَعَة آلَاف بَاب يُرى بَاطِن تِلْكَ الْخيام من ظَاهرهَا وظاهرها من بَاطِنهَا من شدَّة ضوئها، وَفِي أجوافها سرر من ذهب فِي ذَلِكَ الذَّهَب شُعَاع كشعاع الشَّمْس تَحار الْأَبْصَار دونَها لَوْلَا مَا قدر الله لأَهْلهَا، وَهِي مكللة بالدر والجوهر عَلَيْهَا فرش بطائنها من استبرق وظاهرها نور منضد يتلألأ فَوق السرر ورأيتُ عَلَى السرر حليا كثيرا لَا أُطِيق صفته لكم فَوق صِفَات الألسن وأماني الْقُلُوب حلي النِّسَاء عَلَى حِدة وحلي الرِّجَال عَلَى حِدة قد ضربت الحجال عَلَيْهَا دون الستور وَفِي كل قصر مِنْهَا وكل دَار وكل بَيت وكل خيمة شَجَرَة كثير سوقها ذهب وغصونها جَوْهَر وورقها حلل وَثَمَرهَا أَمْثَال القلال الْعِظَام فِي ألوان شَتَّى وريح شَتَّى وطعوم شَتَّى، وَمن خلالها أَنهَار تطرد من تسنيم وخمر رحيق وَعسل مصفى وَلبن كزبد وَبَين ذَلِكَ عين سلسبيل وَعين كافور وَعين زنجيل طعمها فَوق وصف الواصفين وريحها ريح الْمسك فِي كل بَيت فِيهَا خيمة لِأَزْوَاج من الْحور الْعين لَو دلّت إِحْدَاهُنَّ كفًّا من السَّمَاء لبذ نور كفها ضوء الشَّمْس فَكيف وَجههَا، وَلَا يوصفن بِشَيْء إِلَّا هن فَوق ذَلِكَ جمالاً وكمالاً لكل وَاحِد مِنْهُنَّ سَبْعُونَ خَادِمًا وَسَبْعُونَ غُلَاما هن خدمها خَاصَّة سوى خدام زَوجهَا وَأُولَئِكَ الخدم فِي النَّظَافَة وَالْحسن كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حسبتهم لؤلؤا منثورا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون} .

ثُمَّ انْتهى بِي إِلَى قصر وَرَأَيْت فِي ذَلِكَ الْقصر من الْخَيْر وَالنَّعِيم والنضارة والبهجة وَالسُّرُور والنضرة والشرف والكرامة مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعْتُ وَلَا خطرَ عَلَى قلب بشر من أَصْنَاف الْخَيْر وَالنَّعِيم كل ذَلِكَ مفروغ مِنْهُ ينْتَظر بِهِ صَاحبه من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى فتعاظمني مَا رَأَيْت من عجب ذَلِكَ الْقصر فَقلت يَا جِبْرِيل هَلْ فِي الْجنَّة قصر مثل هَذَا؟ قَالَ نعم يَا رَسُول الله كل

<<  <  ج: ص:  >  >>