فلا أنتَ بلوطيٍّ ... ولا أنت، بِزناءِ
ولكنك حا لامٌ ... وقافٌ بعدها ياءِ
حدث أبو اليزيدي قال: حدثني ابن أبي السري قال: حدثني رزين العروضي قال: رأيت غلاماً لمحمد بن يحيى بن خالد يضرب أبا الحارث جُمينْ بباب الجسر، فقلت له في ذلك. فقال: شتم مولاي فقلت له: لم فعلت؟ فقال: والله لو أن يوسف الصديق جاء إلى مولاه ومعه النبيون والملائكة شفعاء في أن يعيرهم إبرة يخيط بها ما قُدَّ من قميصه، وله طور مملوء إبراً ترسل المهر في أوله فلا يبلغ إلى آخره حتى يقرح، لما أعارهم. قال رزين: فقلت:
لو أرك أنبتت لكَ واحتشتْ ... إبراً يضيقُ بها فضاءُ المنزلِ
وأتاك يوسفُ يستعيرك إبرةً ... ليخيطَ قدَّ قميصهِ لمْ تفعلِ
[عنان]
جارية الناطفي، شاعرة ظريفة أديبة، كانت تجلس للشعراء ويجتمعون إليها فيلقي عليها كل رجل منهم الأبيات الغريبة والمعاني النادرة فتجيبه بديهاً.
وكان أبو نواس يظهر التعشق لها، وأعطى مولاها مالاً جليلاً وطلبها الرشيد فلم يبعها ثم باعها بعد من عبد الملك بن صالح الهاشمي بمائة ألف درهم.
ومن قولها تمدح الفضل بن يحيى بن خالد أنشده أبو هفان:
بديهته وفكرته سواءٌ ... إذا اشتبهتْ على الناسِ الأمورُ
وأحزمُ ما يكونُ الدهرَ رأياً ... إذا عمى المشاورُ والمشيرُ
وصدر فيه للهمِّ اتساعٌ ... إذا ضاقتْ من الهمِّ الصدورُ
وأخبرني محمد بن يزيد النحوي أنها قالت ترثي مولاها الناطفي:
يا موتُ أفنيتَ القرونَ ولم تزلْ ... حتى سقيتَ بكأسكَ النَّطَّافَا
يا ناطفيُّ وأنت عنا نازحٌما كنتَ أولَ منْ دعوهُ فوافَى
أبو العباس المبرد قال: دخل أبو نواس إلى عنان يوماً، فكتب إليها بيتاً يمازحها:
ما تأمرين لصبٍّ ... يكفيكِ منه قُطيرهْ
فأجابته:
إيايَ تعنيِ بهذا ... عليكَ فاجلدْ عُميرهْ
فأخجلته، وأدهشته، إلا أنه أدركها ببيت فأخجلها وانقطعتْ عنه وهو:
أريدُ ذاكَ وأخشى ... على يدي منكِ غيرهْ
وأخبر المبرد قال: دخل أبو نواس عليها يوماً وقد ضربها - وهي تبكي - فقال، وذكر أبو زيد عمر بن شبه أن أحمد بن معاوية حدثه قال: حدثني مروان بن أبي حفصة قال: دخلتُ بيت الناطفي وقد ضرب عنان فقال:
بكتْ عِنانٌ فَجَرى دَمْعَها ... كالدرِّ قد تُوبعَ في خيطه
قال فقالت - والعبرةُ في حلقها:
فليتَ منْ يضربها ظالماً ... تجفُّ يمناهُ على سَوْطهِ
فقال مروان: هي والله أشعر الجنِّ والإنس.
ويروى أنها هجت أبا نُواس بعدما كان بينهما من المودة فأفحشت، وهجاها، فمن قولها فيه:
مت متى شئت قد ذكرتك في الش ... عرِ وجزرْ أثواب ذيلكَ فخرَا
لا تُسبح فما عليك جُناحٌ ... جعلَ اللهُ بين فكفيكَ دُبرَا
أنتَ تفسُو إذا نطقت ومن سب ... ح بِالفَسْو نَالَ إثماً وَوِزرَا
قال أبو زيد عمر بن شبه: حدثني أحمد بن معاوية، عن رجل قال: وجدت بيتاً على كتاب، فلم أجد من يجيزه، فأتيت به عنان فأنشدتها إياه. وهو:
ومَازالَ يشكو الحُب حَتَّى سمعته ... تنفسَ مِنْ أَحشائهِ أو تكلمَا
فما لبثت أن قالت:
ويبكي فأبكى رحمةً لبكائهِ ... إذا ما بَكى دَمعاً بكَيْتُ له دَمَا
[عبد الجبار بن سعيد]
ابن سليمان بن نوفل بن مُساحِق بن عبد الله بن مخرمة القرشي، من بني عامر بن لؤي، شاعر أديب ظريف مدني. أنشدني له أحمد بن يحيى قال: أنشدنيه عبد الله بن شبيب، وأنشدنيه أحمد بن أبي خيثمة عن الزبير بن بكار عنه يعني عبد الجبار قال: هي لأبي سعيد بن سليمان:
بلوتُ إخاءَ الناسِ يا عمرُو كُلهم ... وجربتُ حتى حنكَتْني تجارِبي
فلمْ أرَودَّ الناسِ إلا رِضاهُمُ ... فمنْ يُرزَ أو يسخط فليس بصاحبِ
فهوْنكَ في بُغضٍ وحُبٍّ فربما ... بدا جانبٌ منْ صاحبٍ بعد جانبِ
وخذ عفوَ منْ أحببتَ لا تنزرنه ... فعند بلوغِ الكدرِ رنقُ المشاربِ