شتانَ بين محمدٍ ومحمدٍ ... حيٌّ أماتَ وميتٌ أحيانيِ
فصحبتُ حياًّ في عطايا ميتٍ ... وبقيتُ مشتملاً على الخسرانِ
قال المبرد: وكان محمد بن يحيى بن خالد ممسكاً غير مشبهٍ لأهله، وكان بحر بني برمك الذي لا يغيض: الفضل بن يحيى، قال فيه كل شاعرٍ محسن وكان ينهبُ أمواله.
وأنشدني ابن أبي خيثمة عن بعض البرامكة قال: مدحه رجل بهذا البيت فأمر له بمائة ألف فيما أظن:
إذا أُمُّ طفلٍ فاته قوتُ ليلةٍ ... غذته بذكر الفضل فاستعصمَ الطفلُ
ثم أبوه يحيى بن خالد فقد كان جواداً سمحاً: ثم جعفر بن يحيى، وكان سمحاً أيضاً ولكنه ربما أسمل. وكان محمد بن يحيى سيئ الأخلاق متعصباً على العرب وفيه يقول ابن عنبسة وكان صحبه فلم يحمده:
جادتْ على الناسِ لابنِ يحيى ... محمدٍ ديمةٌ غرارُ
ما كُنتُ إلا كلحم ميت ... دَعا إلى أكلهِ اضطرارُ
ما بعدَ خمسِ مضتْ سنوها ... لُبانةٌ لي ولا انتظارُ
لكنَّ ذنبي إليكَ أني ... جَدي قحطانُ أو نزارُ
[بريه المصري]
شاعر محسن.كان ممن قدم مصر في جند سليمان بن غالب بن جبريل وأقام بها.
قال جعفر بن أحمد بن حمدان: لما حاصر عبد العزيز بن الوزير الجزري أهل الإسكندرية، واتخذ لِسورِهم كباش الحديد ورماهم بها. فنبتْ عن سُورهم، قال بريه:
يا من تردي بثوبِ مكرمةٍ ... ألقت عليه الثناءَ والمدحَا
نصيحةٌ لم أكنْ فطنتُ لها ... فيما مضى والشقيقُ منْ نصحَا
رأيتُ كبشَ الحديد ينبو عن ال ... حصنِ بأعطافهِ إذا نطحَا
وللمعلي الطائيِّ منْ كرمٍ ... عشرُ قرون يهزها مرحَا
فادع به إنَّ فيه مصلحةً ... وربَّ عاتٍ رأيت قد صلحَا
يريد المعلي بن العلاء وكان شاعراً محسناً قدم علينا العراق وكان يعاشر النخعي وأبا تمام الطائي فقال المعلي:
فإنْ تبارى بريهُ ... عليكَ أو قالَ شيا
فاخططْ له قدرَ شبرٍ ... في الأرضِ أين العدياَّ
ومن قول بريه في سليمان بن غالب بن جبريل قصيدته وأولها:
أمُخبرةٌ عن خلتيك طلول
وفيها يقول في صفة الربع:
كأنَّ أكفَّ الريحِ يذرينَ تربه ... أكفُّ بني جبريل حين تُهيلُ
وقال بريه:
سينهاكَ عنْ لومي شبابٌ كأنه ... تبسمُ رَوضٍ عن ثغورِ غمام
ولو شِئت لا شئت انسللت من الصبي ... كما انسل من بينِ الجُفونِ منامُ
ومن قوله:
يا زائراً جاءَ على ياسِ ... قرتْ به أعينُ جُلاسي
يا طيب مرعى مُقلةٍ لم تخفْ ... بوجنتيه زجرَ حُراسِ
حلتْ بخدٍّ يغضْ ماؤهُ ... ولم تخُضْهُ أعينُ الناسِ
[معبد بن طوق العنبري]
أعرابي بدوي، من بادية البصرة، يقول الشعر ويجيده.
حدثني عُمر بن شبة قال: أخبرني المعافى بن نُعيم قال: وقفت أنا ومعبد بن طوق على مجلسٍ لبني العنبرِ وأنا على ناقةٍ لي، وهو على حمار، فقاموا إلينا، فبدأوني فسلموا علي، ثم انكفئوا إلى معبد، فقبضَ يده عنهم، وقال: لا ولا كرامة، بدأتمُ بالصغير قبلَ الكبير، وبالمولى قبل العربي فأسكتوا. فانبرى له هنٌ منهم، فقال بدأنا بالكاتبِ قبلَ الأميّ، وبالمهاجر قبل الأعرابي، وبراكبِ الراحلةِ قبل راكبِ الحِمار.
ومن قول معبد، أنشده حماد بن إسحاق الموصلي قال: أنشدنيه المعافى بن نُعيم لمعبد بن طوق يقوله، وقد اختصر:
بني معبدٍ ما خيركم بعدَ معبدٍ ... إذا معبدٌ صُمتْ عليه الصفائحُ
ألا إن أياماً بناهنّ معبدٌ ... يحققنَ ما قلتْ عليه النوائحُ
والمعافى بن نعيم بن مودع بن توبة العنبري أعرابي ثقةٌ في الحديث، نزلَ البصرة، حدثنا عنه أبو زيد عمر بن شبة، بغير حديث. وله أشعار جياد.
أنشد حماد بن إسحاق الموصلي للمعافى بن نعيم يرثي رجلاً:
زرنا القبور فسلمنا فما رجعتْ ... لنا سلاماً ولِكنْ زِدنَ أحزانَا