فإنْ لم يدنوا حتى ... ترى رأسيهما رَاسا
فَكذِّبْها وكذَّبْهُ ... بما قاستْ وما قاسا
قال: فاستحسنها الرشيد وقال: هل سبقك إلى هذا المعنى أحد؟ فقلت: لا. فقال: علىَّ بالأصمعي. وكانت بيني وبينه نفرة، فأخبره الرشيد باستحسانه الشعر والمعنى، وسأله: هل تعرف شيئاً منه؟ قال: كثير، ولكني حاقن، وأعجلني الرسول عن البول، فخرج ثم رجع، وقد صنع أبياتاً مثلها على الراء وعلى القاف، قال فيها:
......يُجب البشرا. و.....يُعجبُ الخلقا
وأتمها على هذا وزعم أنه سمعها مذْ دهر، فخجلت وانصرفت محزوناً. فقلت له لما خرجت: سألتك بالله: ألست الذي صنعتها؟ قال: بلى والله! وأنت أيضاً فعاد الرجال.
وكتب إلى الكراني: أنشدني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي لعمه أرجوزة طريفة أولها:
ياربَّ خودٍ من بناتِ الأحرارْ ... من آل كسرى في ذرا الزندِ الوارْ
يستنُّ في مفرقها مسكُ الفارْ ... كأنها منْ جسدٍ في الأعطارْ
وزعفرانٍ شرقٍ بالأبصار ... عدا على لباتها عِرقٌ ضارْ
يموتُ فيها فيشلُ كالطومارْ ... مستغنياً عن عمراتِ العطارْ
وهي نيف وخمسون بيتاً.
قال أبو هِفان: ليس في وصف وقع شيءٍ على شيء أحسن من قول الأصمعي:
كأنما وقعُ أقلامِ الرجالِ بها ... حسُّ الطرافِ بوقعِ المسبلِ الساري
وهذا يقوله في قصيدته التي يرثى فيها سفيان بن عُيينة أنشدنيها ابن فهم عن الأصمعي ومن قول الأصمعي في الحية:
أرقش إنْ أسبطَ أوتثنيَّ ... حسبتَ ورساً خالطَ اليرنا
خالطه من ها هُنا وهُنَّا ... إذا تراءاهُ الحُواةُ استنا
[رزين بن زندورد العروضي]
حدثني ابن عمار عن أبيه وعن داود بن جميل أنه مولى طيفور بن منصور الحميري خال المهدي يكنى أبا زهير أخبرني به محمد بن القاسم بن علي بن الصباح وأحمد بن هارون بن إبراهيم وهو شاعرٌ صاحب عروض كان ينزل بغداد. أنشد أحمد بن أبي طاهر لرزين يهجو آل جعفر بن محمد بن الأشعث بن مكلم الذئب الخزاعي وأنشدنيها محمد ابن القاسم قال: أنشدني أبو الطيب عبد الرحيم بن أحمد قال: حدثني أبو نصر محمد بن الأشعث بن جبير بن محمد بن الأشعث أنه قالها في جده فضربه ثلاثمائة سوط
تهتمْ علينا بأنَّ الذئبَ كلمكمْ ... نعم لعمري أبوكمْ كلمَ الذيبا
فكيف لو كلَّمَ الليثَ الهصور، إذا ... تركتمُ الناسَ مأكولاً ومشروباً
هذا السنيديُّ ما ساوى إتاوته ... يُكلمُ الفيلَ تصعيداً وتصويبا
وأنشد " له " دعبل يهجو خُزاعة:
أخُزاعَ إن ذُكرِ الفخارُ فأمسكوا ... وضَعوا أكُفكمُ على الأفواهِ
لا تفخروا بسوى اللواطِ فإنما ... عندَ المفاخرِ فخركمْ بستاهِ
وكان يعارض عنانَ جاريةَ النطاف ويكثر عندها. وذكر محمد بن الحسن أنه ألقى على عنان هذين البيتين وقال قطعيهما. أحدهما:
لم تر عيني كنيحابٍ وصاحبهِ ... يضرب حرصاً على الدنيا إلى الشامِ
فلما قالت: مستعلن فاعلن، قال: لا أفعل، ففطنت فأخجلها.
والبيت الآخر:
فلا الزُّهد يعنيني ولا الحرصُ نافعي ... على الزبدِ بالتمرِ الذي أنا آكلهْ
فلما قطعته قال لها: ظريفة تذكر السوأتين. فأخجلها أيضاً.
وحدث محمد بن القاسم قال: حدثني أحمد بن محمد بن هارون قال: حدثني أبو زهير رزين العروضي قال: دخلت على عنان وعندها أعرابي فقالت لي: يابهَ جاء الله بك على حاجة. قلت: ما هي؟ قالت: هذا الأعرابي يسألني أن أقول بيتاً ليجيزه، وقد عسر عليّ فابتدئ عليَّ بالقول. فقلت:
لقدْ قلَّ العزاءُ فعيلَ صبري ... غداةَ حمولهمْ للبينْ زُمتْ
فقال الأعرابي:
نظرتُ إلى أواخرها ضُحيا ... وقدْ رفعوا لها عُصباً فرنتْ
وقالت عنان:
كتمتُ هواهمُ في الصدرِ مني ... على أن الدموعَ على نمت
قال: فكانت أشعرنا.