وَقد قيل إِن سَبَب هَلَاكه كَانَ من أجل أَن الأَرْض كَانَ فِيهَا من قبل آدم الْجِنّ فَبعث الله تَعَالَى إِبْلِيس قَاضِيا يقْضِي بَينهم فَلم يزل يقْضِي بَينهم بِالْحَقِّ ألف سنة حَتَّى سمي حكما وَسَماهُ الله بِهِ وَأوحى إِلَيْهِ اسْمه فَعِنْدَ ذَلِك دخله الْكبر فتعظم وتكبر وَألقى بَين الَّذين كَانَ الله بَعثه اليهم حكما الْبَأْس والعداوة والبغضاء فَاقْتَتلُوا عِنْد ذَلِك فِي الأَرْض ألفي سنة فِيمَا زَعَمُوا حَتَّى أَن خيولهم تخوض فِي دِمَائِهِمْ قَالُوا فَذَلِك قَول الله {أفعيينا بالخلق الأول بل هم فِي لبس من خلق جَدِيد} وَقَول الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} فَبعث الله تَعَالَى عِنْد ذَلِك نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ قَالُوا فَلَمَّا رأى إِبْلِيس مَا نزل بقَوْمه من الْعَذَاب عرج إِلَى السَّمَاء فَأَقَامَ عِنْد الْمَلَائِكَة يعبد الله تَعَالَى فِي السَّمَاء مُجْتَهدا لم يعبده شَيْء من خلقه مثل عِبَادَته فَلم يزل مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة حَتَّى خلق الله تَعَالَى آدم فَكَانَ من أمره ومعصيته ربه مَا كَانَ فَلَمَّا أَرَادَ الله تَعَالَى إطلاع الْمَلَائِكَة على مَا قد علم من انطواء إِبْلِيس على الْكبر وَإِظْهَار أمره لَهُم حِين دنا أمره للبوار وَملكه وسلطانه للزوال قَالَ {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فَأَجَابُوهُ {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء}
روى عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمَلَائِكَة قَالَت ذَلِك لما كَانُوا عهدوا من أَمر إِبْلِيس وَأمر الْجِنّ الَّذين كَانُوا فِيهَا فَكَانُوا يسفكون الدِّمَاء فِيهَا ويفسدون فِي الأَرْض ويعصونك {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} فَقَالَ {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} من انطواء إِبْلِيس على التكبر وعزمه على خلاف أَمْرِي وتسويل نَفسه لَهُ بِالْبَاطِلِ واعتزازه وَأَنا مبد ذَلِك لكم لتروا ذَلِك مِنْهُ عيَانًا
حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وأناس من اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَت الْمَلَائِكَة مَا قَالَت وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} يَعْنِي من شَأْن إِبْلِيس فَبعث الله جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الأَرْض ليَأْتِيه بطين مِنْهَا فَقَالَت الأَرْض إِنِّي أعوذ بِاللَّه مِنْك أَن تقبض مني أَو تشينني فَرجع فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ يَا رب إِنَّهَا عاذت فأعذتها فَبعث الله تَعَالَى مِيكَائِيل فعاذت مِنْهُ فأعاذها فَرجع فَقَالَ كَمَا قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَبعث اليها ملك الْمَوْت فعاذت مِنْهُ فَقَالَ وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أرجع وَلم أنفذ أمره فَأخذ من وَجه الأَرْض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute