للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالمتشابه هنا هو تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، بل يأمر به أو بنظيره، أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته، إذا لم يكن هناك نسخ، وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك ... وهذا التشابه يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ.

فهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضاً، لا يناقض بعضه بعضاً" (١).

وكما وصف الله تعالى القرآن بأنه كله محكم، وكله متشابه على المعاني السابقة، فقد وصف بعضه بالإحكام وبعضه بالتشابه، وذلك في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: ٧] (٢).

وهذا يسمى الإحكام الخاص والتشابه الخاص.

"والتشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو أو هو مثله، وليس كذلك. والإحكام - الخاص- هو الفصل بينهما، بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر" (٣).

وهذا الإحكام الخاص والتشابه الخاص هو الذي وقع الخلاف في تعيين المراد به على أقوال كثيرة، وإن كان بعضها قريباً من بعض، وداخلاً في بعض، وعامتها يرجع إلى اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، أي: إن بعضهم قد يذكر نوعاً من المتشابه، ويذكر الآخر نوعاً ثان، وليس بين القولين تضاد في نفس الأمر (٤).

والحق أن القرآن كله محكم باعتبار، كما أن كله متشابه باعتبار آخر، وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث.

فمعنى كونه محكماً، أي أنه في غاية الإحكام، وقوة الاتساق، كما أنه بالغ في الحكمة الغاية القصوى، إذ إن أخباره كلها حق وصدق، لا تناقض فيها ولا اختلاف.

كما أن أحكامه كلها عدل، وكل ما أمر به فهو خير وهدى، وكل ما نهى عنه فهو شر وضلال.

ومعنى كونه متشابهاً: أي في الحسن، والصدق، والهدى، والنفع.

وأما وصف بعضه بالإحكام والبعض الآخر بالتشابه فالمراد بالإحكام والتشابه هنا ما تقرر في المعنى الاصطلاحي لهذين اللفظين من الإحكام الخاص والتشابه الخاص (٥).


(١) الرسالة التدمرية ٣/ ٦١ - ٦٢، ضمن مجموع الفتاوى.
(٢) سورة آل عمران: ٧.
(٣) الرسالة التدمرية ٣/ ٦٢ ضمن مجموع الفتاوى.
(٤) موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة ١/ ٣٦٩ - ٣٧١.
(٥) قواعد التفسير ص ٢/ ٦٦١.

<<  <   >  >>