للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس: حكم تأويل المتشابه]

اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في تأويل المتشابه، هل هو مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع أحداً عليه، أو هو مما يمكن أهل العلم معرفته؟

والخلاف مبني على مسألة الوقف في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)} [آل عمران: ٧] (١).

فمن قال إن تأويل المتشابه مما استأثر الله بعلمه وقف على قوله تعالى: {إِلَّا اللَّهُ}، وجعل الواو في قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧] للاستئناف والابتداء، فـ: {وَالرَّاسِخُونَ} مبتدأ، و"يقولون" خبره.

ومن قال إن تأويل المتشابه مما يمكن أهل العلم معرفته، لم يقف بل جعل الواو في قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} للعطف، و {وَالرَّاسِخُونَ} معطوف على لفظ الجلالة، وموضع {يَقُولُونَ} نصب على الحال (٢).

القول الأول:

إن تأويل المتشابه مما استأثر الله بعلمه، ولم يطلع أحداً من خلقه عليه، فلا يمكن أحداً معرفته، بل الواجب الإيمان به دون الإحاطة بتأويله.

وهذا قول ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود وغيرهم، وهو مذهب الجمهور (٣).

وقد احتج أصحاب هذا القول بحجج منها:

ما جاء عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] (٤)، (٥).


(١) سورة آل عمران: ٧.
(٢) انظر: تفسير الطبري ٣/ ٢١٤، تفسير ابن كثير ١/ ٣٥٤، أضوءا البيان ١/ ٢٣٥.
(٣) انظر: تفسير الطبري ٣/ ٢٠٥، ٢١٥، العدة للقاضي أبي يعلي ٢/ ٦٩٠، إبطال التأويلات لأخبار الصفات لأبي يعلى محمد بن الحسين الفراء تحقيق محمد النجدي ص ١/ ٥٩، دار إيلاف، الكويت، الطبعة الأولى. معالم التنزيل للبغوي ١/ ٣٢٣، زاد المسير ١/ ٣٥٤، تفسير القرطبي ٥/ ٢٥، تفسير ابن كثير ١ - ٣٥٤، فتح القدير للشوكاني ١/ ٥٢٧.
(٤) سورة آل عمران: ٧.
(٥) رواه الحاكم ٣/ ٥ رقم الحديث ٣١٩٧، قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه ابن جرير ٣/ ٢١٦.
انظر: تفسير ابن كثير ١/ ٣٥٥.

<<  <   >  >>