للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: موقف المسلم من المتشابه]

تقدم أن المتشابه نوعان: حقيقي وهذا لا يعمل حقيقته إلا الله، وإضافي وهذا يعلمه الراسخون في العلم. ويجب على المسلم أن يؤمن بالكتاب كله محكمه ومتشابهه، أما المتشابه الحقيقي فيؤمن به ويعلم معناه وأما حقيقته فهي إلى الله تعالى ولا يخوض في ابتغاء تأويله، فإن الله تعالى حجب علم تأويله عن الأنام، والخوض فيه من ذرائع الفتنة والحيرة والاضطراب، ولهذا ذكر في أسباب نزول آية آل عمران أن اليهود رامت معرفة أجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالحروف المقطعة في أول سورة آل عمران وذلك عن طريق حساب الجمل، فنزلت بعدها سور أخرى مصدرة بحروف أخر نحو: (طسم - المر - كهيعص) وغيرها، فاضطراب عندهم الحساب، حتى قالوا: لقد خلطت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ أم بقليله، ونحن ممن لا يؤمن بهذا، فأنزل الله الآية (١).

أما المتشابه الإضافي فالواجب الإيمان بالنص في الجملة حتى يتبين معناه ويتضح مدلوله، وذلك بالتدبر فيه ومتابعة النظر، أو برده إلى المحكمات من النصوص، فإن النصوص يفسر بعضها بعضاً، أو برده إلى أهل العلم والإيمان كما قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] (٢)، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اعملوا بكتاب الله ولا تكذبوا بشيء منه، فما اشتبه عليكم منه فسئلوا عنه أهل العلم يخبرونكم .. " (٣)، وقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل: ٤٣] (٤)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ... إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" (٥).


(١) انظر تفسير البغوي ص ١/ ٣٢٣، وتفسير الطبري ص ٣/ ٢٠٥، وتفسير القرطبي ص ٥/ ٢٤.
(٢) سورة النساء: ٨٣.
(٣) الفقيه والمتفقه ص ١/ ٢١١، ونحوه عند الحاكم في المستدرك تحقيق عبدالسلام علوش ص ٤/ ٧٥٦ رقم الحديث ٦٥٣٠ كتاب معرفة الصحابة، وسكت عنه الذهبي. طبعة دار المعرفة، بيروت.
(٤) سورة النحل: ٤٣.
(٥) مسند الإمام أحمد ١٠/ ١٧٤ حديث: ٦٧٠٢، وصححه الشيخ أحمد شاكر، ص ١٠/ ٢٢٨، طبعة دار المعارف. عام ١٣٩٢. الاتقان للسيوطي ص ٣/ ٤.

<<  <   >  >>