بَارك الله فِي حَيَاته وبلغه من الدَّرَجَات الْعَالِيَة أقْصَى غاياته، واشتغل فِيهَا أَيْضا بِالْعلمِ فَقَرَأَ على ابْن الديري فِي الْفِقْه وَقَالَ إِنَّهَا قِرَاءَة تفهم وتدبر وسؤال عَن مُشكل الْمسَائِل ومعضلها واجتهاد فِي تَحْصِيل الْوُقُوف على مداركها ومآخذها ولازمه كثيرا وَكَذَا)
لَازم ابْن الْهمام حَتَّى أَخذ عَنهُ بحثا أَكثر من ربع الْهِدَايَة وَغَيره، وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة مِمَّن لم أعلمهُ سمع مِنْهُم كالبساطي وناصر الدّين الفاقوسي وَابْن خطيب الناصرية وَابْن زهرَة الطرابلسي وَابْن مُوسَى اللَّقَّانِيّ ونشوان الحنبلية. وَحج غير مرّة وجاور أَيْضا مرَارًا وَقَرَأَ فِي بَعْضهَا على التقي بن فَهد وَسمع على الشّرف المراغي وسافر إِلَى حلب وَغَيرهَا وزار بَيت الْمُقَدّس وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ فِي كنف الْكَمَال بن الْبَارِزِيّ لقرابة بَينهمَا بينتها فِي التَّارِيخ الْكَبِير مُقْتَصرا عَلَيْهِ حَتَّى صَار مَعَ الْقَرَابَة الْمشَار إِلَيْهَا من أخصائه وَاسْتغْنى بذلك مَعَ مَا كَانَ لَهُ من الْجِهَات فِي بَلَده بِحَيْثُ اقتنى من نفائس الْكتب مَا خدم بعضه بالحواشي والفوائد المتينة وَكَانَ زَائِد الضنة بهَا لَا يفارقها غَالِبا حَتَّى فِي أَسْفَاره. وَقد صحبته قَدِيما وَسمع بِقِرَاءَتِي بل لَقيته بصالحية الْقَاهِرَة فَكتبت عَنهُ حَدِيثا وشعرا ثمَّ كثر اختصاصي بِهِ بعد وَكتب لي بِخَطِّهِ كراريس فِيهَا تراجم وفوائد سَمِعت مِنْهُ أَكْثَرهَا أَو جَمِيعهَا وَتردد إِلَيّ كثيرا وَكتب عني جملَة من الْمُتُون والأسانيد والتراجم خُصُوصا الْحَنَفِيَّة وَكَانَ كثير الإجلال لي والتعظيم لَا يقدم عَليّ فِي هَذَا الشَّأْن أحدا. وَنعم الرجل كَانَ لطف عشرَة وَحسن محاضرة ومزيد تودد وتواضع مَعَ أحبابه ورياسة وكياسة وكرم وفتوة وَكَثْرَة أدب وبهجة ومتانة لما يحفظه من التَّارِيخ وَالْأَدب الَّذِي هُوَ جلّ معارفه، تزوج كثيرا بِحَيْثُ أهاب التَّصْرِيح بِالْعدَدِ الَّذِي أعلمني بِهِ وَمَعَ ذَلِك فَلم يخلف ولدا ذكرا. وَولي بِأخرَة خزانَة الْكتب بالظاهرية الْقَدِيمَة لتَكون كالحاصل لَهُ ثمَّ سَافر أثر ذَلِك إِلَى بَلَده فَأَقَامَ دون الشَّهْرَيْنِ وَرجع فوصل الْقَاهِرَة فِي رَجَب وَهُوَ متوعك فَأَقَامَ كَذَلِك يَسِيرا وطلع لَهُ دمل فعولج بالبط وَغَيره وَآل أمره إِلَى أَن انْتَشَر دَاخل جَوْفه حَتَّى مَاتَ بِهِ فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي محفل عَظِيم وَدفن بتربة الزيني بن مزهر وَذَلِكَ بعد أَن وقف من كتبه قبل بِمدَّة أَشْيَاء ثمَّ قوم بَاقِيهَا بِنَحْوِ أَرْبَعمِائَة دِينَار رَحمَه الله وإيانا.
٧٥٧ - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُسلم كمحمد بن عَليّ بن أبي الْجُود التَّاج بن الْأَمِير نَاصِر الدّين السالمي القاهري ثمَّ الكركي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي سبط الْعِمَاد أَحْمد بن عِيسَى كركي القَاضِي الْآتِي أَبوهُ وَيعرف بِابْن الغرابيلي. / ولد سنة سِتّ