إِنْكَار صُدُور ذَلِك مِنْهُ من أَصله وَعدم الِاعْتِرَاف بِشَيْء مِنْهُ قَالَ وَكَانَ ذَلِك من وفور عقله لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن إِشَاعَة ذَلِك عَنهُ)
فيترتب عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي إِدْخَال الضَّرَر عَلَيْهِ. قلت وَرَأَيْت الشّرف حضر لعيادة شَيخنَا قبيل مَوته بأيام فَبَالغ شَيخنَا فِي التلطف مَعَه وحصلت بَينهمَا مذاكرة لَطِيفَة وَأظْهر شَيخنَا بشرى بالاجتماع بِهِ على جاري عَادَته فِي التودد مَعَ من يفهم عَنهُ شَيْئا وَأرْسل إِلَيْهِ بعد مُفَارقَته بتحف، ثمَّ حَدثنِي الْعِزّ السنباطي رَحمَه الله قَالَ رَأَيْت بعد موت شَيخنَا كَأَنِّي بَين يَدَيْهِ أَنا والولوي بن تَقِيّ الدّين وَكَانَ شَيخنَا دفع لِابْنِ تَقِيّ الدّين من الْقصب الْأَبْيَض قَلما بِغَيْر براية وَقَالَ لَهُ قل لصاحبك وسمى يحيى هَذَا: قد تقدم الْخصم وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فِي الطّلب وَالْحَاكِم لَا يحْتَاج إِلَى بَيِّنَة، قَالَ الْعِزّ فَلم نَلْبَث إِلَّا دون شهر وَمَات يحيى، وَنَحْو هَذَا قَول القَاضِي بكار لِأَحْمَد بن طولون عَن نَفسه وَقد ظلمه شيخ فان وعليل مدنف والملتقى قريب وَالله القَاضِي، وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ يحيى أديبا فَاضلا مفننا ذكيا ذَا عقل وافر وهيئة لَطِيفَة ونورانية ظَاهِرَة وحشمة وَسُكُون وكياسة وكرم وهمة عَظِيمَة مَعَ من يَقْصِدهُ وَقدم راسخ فِي فنون الْأَدَب وَلذَا انْتَمَى إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم ونفق سوقهم بسفارته ومحبة فِي الْمَعْرُوف حَتَّى أَنه كَانَ يبر الشَّيْخ مُحَمَّد البياتي صَاحب ابْن الْهمام وَكَذَا الشَّيْخ مَدين بل أعْطى ابْن شعيرات بعد انحطاط أمره فِي التِّجَارَة ثلثمِائة دِينَار لشدَّة اخْتِصَاصه بِهِ، كتب عَنهُ غير وَاحِد من أَصْحَابنَا وَغَيرهم من نظمه ونثره، وأطراه البقاعي جدا لكَونه هُوَ وَابْن صَالح كَانَا من أَتْبَاعه وكتبت عَنهُ أَشْيَاء مِنْهَا قَوْله:
(كتبت أَعتب من أهواه فِي ورق ... فَقَالَ لي الطرس زِدْنِي فَهُوَ مكتوبي)
(فَقلت يَا طرس حَتَّى أَنْت تعشقه ... فَقَالَ دَعْنِي فَأنى تَحت مَكْتُوب)
إِلَى غير هَذَا مِمَّا أودعته فِي المعجم والوفيات وَغير ذَلِك، وَهُوَ مِمَّن قرض سيرة الْمُؤَيد لِابْنِ ناهض بل لَهُ ذكر فِي عَليّ بن مُفْلِح، وَلم يزل على رياسته غير أَنه خدشها فِي آخر أمره بتردده للنحاس ومنادمته لَهُ حَتَّى مَاتَ فِي عصر يَوْم الْخَمِيس سادس عشر ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد فِي مصلى المؤمني بِمحضر فِيهِ السُّلْطَان تقدمهم الشَّافِعِي، ثمَّ دفن بتربة طيبغا الطَّوِيل بالصحراء لكَونهَا كَانَت تَحت نظر عشيره النّحاس سامحه الله وإيانا، قَالَ البقاعي على حَالَة حَسَنَة أخْبرت أَنه مَا زَالَ يذكر الله جَهرا فَلَمَّا عجز صَار سرا حَتَّى طلعت روحه مَعَ التبسم والإخبار بِرُؤْيَة الخضرة والياسمين، قَالَ وَكَانَت جنَازَته حافلة وَلَيْسَ لَهُ وَارِث وَعظم تأسف النَّاس عَلَيْهِ وأطبقوا على الثَّنَاء الْجَمِيل بِحَيْثُ أَن مبغضه لم يَسعهُ إِلَّا ذَلِك وَكَفاهُ فخرا أَن مبغضه لَا يَسْتَطِيع ذمه بعد مَوته قَالَ وَلم يخلف بعده)
مثله فِي كل خصْلَة من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute