للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَذكر لَهُ فراره واستتاره بمنزله فأعجبه قَالَ المقريزي لكنه دخل فِي ولَايَته الْجُبْن خشيَة من عود الطرابلسي فَكَانَ لَا يقْضى لأحد وَيعْتَذر بِأَن الطرابلسي وَرَاءه فَوقف حَاله ومقته من كَانَ يُحِبهُ وَنَدم على ولَايَته من تمناها لَهُ ليبس قلمه عَن الْأُمُور الْعَامَّة والخاصة حَتَّى أَنه لم يتَّفق أَنه عدل من الشُّهُود فِي مُدَّة ولَايَته غير اثْنَيْنِ وأبغضه الرؤساء لرد رسائلهم وَذكر بعض من يعرفهُ أَن سَبَب خموله فِي المنصب أَنه كَانَ يزهو بِنَفسِهِ ويربى أَن المنصب دونه لما كَانَ عِنْده من الاستعداد وَلما فِي غَيره من النَّقْص فِي الْعلم والمعرفة فانعكس أمره لذَلِك وَذكر أَيْضا أَن كبار الموقعين فِي زَمَانه كَانُوا يرجعُونَ إِلَيْهِ فِيمَا يَقع لَهُم من المعضلات ويحمدون أجوبته فِيهَا وَكَانَ جمعهم إِذْ ذَاك متوفرا، واشتهر عَنهُ أَنه كَانَ إِذا رأى الْمَكْتُوب عرف حَاله من أول سطر بعد الْبَسْمَلَة غَالِبا، وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يكن فِيهِ مَا يعاب بِهِ سوى مَا قدمْنَاهُ من التَّوَقُّف فِي الْأُمُور وَلَو كَانَت وَاضِحَة تولم يزل على مَنْزِلَته عِنْد الظَّاهِر حَتَّى تحرّك للسَّفر إِلَى الشَّام فتوسل القَاضِي جمال الدّين العجمي نَاظر الْجَيْش حِينَئِذٍ بصهره وصهر السُّلْطَان الشهَاب الطولوني لكَون الشهَاب كَانَ شفع عِنْده فِي شَاهد ليجلسه بِبَعْض الحوانيت فتوقف فحقدها عَلَيْهِ فَتكلم مَعَ السُّلْطَان فِي أَن الْمجد عَاجز عَن السّفر لنقل بدنه وَلم يتَوَقَّف السُّلْطَان فِي الْأَخْبَار بذلك لكَونه يُشَاهد أَيَّام الموكب حِين جُلُوسه عَن يسَاره يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ثقل حركته وبطأه إِلَى الْغَايَة لكَونه عبل الْبدن وَلَا يقوم إِلَّا بعد بطء مَعَ الاتكاء على يَدَيْهِ وَرفع عجيزته فَأمر بإعفاء، وسعى الْجمال حِينَئِذٍ ببذل مَال فولاه فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَانْصَرف الْمجد إِلَى منزله بالسيوفية فَأَقَامَ فِيهِ بطالا وَلكنه يشغل الطّلبَة ويحضر وظائفه الَّتِي كَانَت بِيَدِهِ قبل الْقَضَاء نعم امْتنع عَلَيْهِ مُبَاشرَة التوقيع الَّذِي كَانَ جلّ تكسبه مِنْهُ فَضَاقَ حَاله وتعطل إِلَى أَن نسي كَأَن لم يكن سِيمَا بعد موت الظَّاهِر لكَونه كَانَ يتفقده بِالْعَطِيَّةِ وَحِينَئِذٍ كف بَصَره وتزايد عَجزه وَضَعفه وانهرم وَسَاءَتْ حَاله إِلَى الْغَايَة حَتَّى مَاتَ فِي أول ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وأرخه شَيخنَا فِي معجه بعاشر جُمَادَى الأولى وَالصَّوَاب الأول، وَكَانَ كثير النّظم جيد الْوَزْن فِيهِ إِلَّا أَنه لم يكن بالماهر فِي عمله وَله أَشْيَاء كَثِيرَة من قسم المقبول كَقَوْلِه:)

(لَا تحسبن الشّعْر فضلا بارعا ... مَا الشّعْر إِلَّا محنة وخبال)

(فِي الهجو قذف والرياء نياحة ... والعتب ضغن والمديح سُؤال)

وَقد روى لنا عَنهُ غير وَاحِد من أواخرهم الشهَاب الْحِجَازِي، وَذكره المقريزي فِي عقوده مطولا وَأَن شعره كثير وأدبه غزير وَعلمه جم غير يسير صحبته أَعْوَام

<<  <  ج: ص:  >  >>