كأنما نصبتا على نضد جمان، متصلة بهما ساقان بيضاوان خدلَّجتان، قد وشيتا بشعر أسود، كأنه حلق الزَّرد، يحمل ذلك كله قدمان، كحذو اللسان " تبارك الله " مع لطافتهما، كيف يطيقان حمل ما فوقهما؟ وأما ما سوى ذلك فإني تركت نعته، ووصفه، لدقّته، إلا أنه كأكمل وأحسن وأجمل ما وصف في شعر أو قول.
قال: فبعث إلى أبيها فخطبها إليه، فزوّجها إياه، فبعث إليها من الصداق بمثل مهور نساء الملوك، بمائة ألف درهم، وألف من الإبل.
فلما حان أن تحمل إليه دخلت إليها أمها لتوصيها.
فقالت: " أي بنيّة، إن الوصية لو تركت لعقل وأدب، أو مكرمة في حسب لتركت ذلك منك، ولزويته عنك، ولكن الوصية تذكرة للعاقل، ومنبهة للغافل.
أي بنية، إنه لو استغنت المرأة بغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عن الزوج، ولكن للرجال خلق النساء، كما لهن خلق الرجال.
أي بنية، إنك قد فارقت الحِواء الذي منه خرجت، والوكر الذي منه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك ملكا، فكوني له أمة يكن لك عبدا، واحفظي عني خصالا عشرا، تكن لك دركا وذكرا؛ فأما الأولى والثانية فالمعاشرة له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة، فإن في القناعة راحة القلب، وحسن السمع والطاعة رأفة الرب؛ وأما الثالثة والرابعة فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا طيب الريح؛ واعلمي، أي بنيّة، أن الماء أطيب الطيب المفقود، وأن الكحل أحسن الحسن الموجود.
وأما الخامسة والسادسة فالتَّعهد لوقت وطعامه، والهدوّ عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النَّومة مغضبة؛ وأما السابعة والثامنة فللاحتفاظ بماله