للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

- و -

فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعا، ولم يقم ببغداد، ولم يأخذ عنه أهلها.

وترك أبو حاتم النحو بعد اعتنائه به حتى كأنه نسيه، وكان إذا اجتمع بالمازني في دار عيسى بن جعفر الهاشمي تشاغل وبادر بالخروج خوف أن يسأله مسألة في النحو.

وكان أبو حاتم أعلم الناس بالعروض واستخراج المعمى، ويعد من الشعراء، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وروى له النسائي في سننه، والبزار في مسنده.

* * *

ويروى المؤرخون في كتبهم، المخطوط منها والمطبوع، شعرًا لأبي حاتم السجستاني قاله في تلميذه أبي العباس المبرد وهو غلام وسيم، وقد كان يلازم القراءة عليه.

فذكر ابن شاكر في كتاب عيون الأخبار (مخطوط) أبياتا للسجستاني في المبرد، منها:

نَفْسِي فِدَاكَ يا أَبَا … الْعَبَّاسِ، جَلَّ بِكَ اعْتِصَامِي

فَارْحَمْ أَخَاكَ فَإِنَّهُ … نَزْرُ الْكَرَى بَادِى السَّقَامِ

وَإِنَّكَ مَا دُونَ الْحَرَا … مِ، فَلَيْسَ يُرْغَبُ فِي الْحَرَامِ

وجاء في كتاب بغية الوعاة لجلال الدين السيوطي أبيات أخرى منسوبة إلى السجستاني قالها في المبرد، منها:

أَبْرَزُوا وَجْهَكَ الجمِـ … يلَ، وَلَامُوا مَنِ افْتَتَنْ

لَوْ أَرَادُوا صِيَانتِي … سَتَرُوا وَجْهَكَ الْحَسَنْ

وهذا اللون من الشعر كان قد شاع ذكره في العصر العباسي.

* * *

ويعتبر كتاب "المعمرين" من أهم الكتب التي خلفها أبو حاتم السجستاني، فالكتاب في مادته الفنية لون غير معروف في أغراض الشعر الجاهلى، وهو جملة مختارة من الشعر العربي القديم قام بجمعها أبو حاتم من بطون الكتب القديمة، المعروفة في زمانه، وقد صار أمرها إلينا مجهولا، وتمثل هذه المجموعات الشعرية فنا من الشعر الجاهلى، وصف فيه الطاعنون في السن ما يلقونه من طول حياتهم، فرسموا بين سطوره أجسامهم وقد شفها الكِبر، وأحلامهم وقد ذهب بها الضعف، وهم

<<  <  ج: ص:  >  >>