للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

- ك -

أفناهم طول العمر، فانطلقت ألسنتهم بالشعر، يضمنونه شكواهم من الحياة وسوء مصيرهم فيها، ويذكرون أنهم قد صاروا هملا في البيوت والأكواخ، يحملون كما تحمل الأمتعة، ويجهدون أهلهم بطول مكثهم وعدم مقدرتهم على مسايرة الحياة المعاشية وأحوالها، فهم المعمرون.

* * *

وإن كلمة "معمر" تعنى الرجل الذي طال عمره، وقد صارت اصطلاحا لغويا، يفسر مداه الشعراء الجاهليون في قولهم:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُوَكَّلُ بالصَّبا … فِيمَ ابْنُ سَبْعِينَ المَعمَّرُ مِنْ دَدِ

وَإِن امْرَءًا قَدْ سَارَ سَبْعِينَ حِجَّةً … إِلَى مَنْهَلٍ مِنْ وِرْدِهِ لَقَرِبنُ

فَمَنْ يَرْحَلْ إِلَى السَّبْعينَ عَامًا … فَمُعْتَرَكُ المَنُونِ لَهُ طَرِيقُ

وروى الترمذى (١) عن النبي أنه قال: "أعمار أمتى ما بين الستين إلى السبعين". وذكر البيضاوى هذا الحديث في صحيفة ١٥٤ من كتابه.

وقال بعضهم (٢): نجد في زبور داود، صلوات الله تعالى وسلامه على نبينا وعليه، من بلغ السنين اشتكى من غير علة.

ومما نزل الله على المسيح في الإنجيل: "شوّقناكم فلم تشتاقوا، ونُحْنا لكم فلم تبكوا، يا صاحب الخمسين، ما قدمت وما أخرت؟ يا صاحب الستين قد دنا حصادُك؛ يا صاحب السبعين، هَلُمّ إلى الحساب".

فمن بلغ سن السبعين فهو معمر، ولكن العرب لا تعد معمرا إلا من عاش مائة سنة وستا وعشرين سنة فصاعدا، وهؤلاء المعمرون الذين روى أخبارهم أبو حاتم السجستاني قد بلغوا في روايته أعمارا تتراوح بين عشرين ومائة وبين مائتين.

ولذا فإن القارئ لأخبار هؤلاء المعمرين يستوقفه كثيرا تلك الأعمار الخيالية.


(١) الجزء الثاني صحيفة ٥٣ من مخطوطة كتابه المحفوظة بخزانة الكتب بليدن.
(٢) انظر كتاب البيان والتبيين للجاحظ - الجزء الثاني صفحة ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>