للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

- ل -

غير المألوفة، وهى وإن كانت غير مستغربة بين أقوام يعيشون عيشة فطرية طبيعية، فيحدث أن يعمر منهم أناس على فترات من الزمن سنين طويلة إلا أن العلم الحديث له اعتباره في الحكم على رواية السجستاني عن أعمار هؤلاء المعمرين.

وإنه من المعروف علميا أن المناخ له أثره في حياة الناس طولا وقصرا، وأن أطول الناس أعمارا هم سكان البلاد الباردة، وأقصرهم أعمارا هم سكان البلاد الحارة، وإن المعمرين العرب الذين روى لهم أبو حاتم في كتابه المعمرين ليسوا من سكان البلاد الباردة، فهم إذن من ذوى الأعمار القصيرة التي لا تمتد إلى نحو مما ذكره أبو حاتم، وإن كتب السير والتراجم والتاريخ، قديمها وحديثها لا تصل أعمار الناس المذكورين في تواريخها إلى تلك الحدود التي رواها السجستاني.

وعلى هذا فإن تحديد العمر كما ذكره أبو حاتم في كتاب المعمرين لا يمثل واقع العدد بقدر ما يمثل طول الأبد، وهذا الإطلاق كان معروفا عند العرب قبل التاريخ الإسلامي، وهو الذي يتفق مع مأثورهم في قصصهم وفي سير أبطالهم، التي لعبت فيها الأخيلة دورا هاما في تحديد الأعمار.

ومن ذلك ما يروى في سيرة "عنترة بن شداد" عن "فارس بهلول" الذي بلغ من العمر ما ينوف على ثلاثمائة وستين سنة، وسمى لذلك "أبو القرون".

وما روى في التاريخ العربي القديم من أساطير نسجها خيال الرواة حول عمرو بن تميم بن مرة، وقد بلغ من العمر ثلاثمائة وثمانين سنة (١)، وسعد بن زيد مناة من كبار بني تميم المعمرين، وعمر بن لحي الخزاعي أول من وضع الأصنام في الكعبة، وقد بلغ فيما تزعم الرواية (٢) عنه أربعا وخمسين وثلاثمائة سنة.

فكل هذا وغيره من الأخبار مما يحمل مدلوله على المبالغة في طول العمر.

على أن العرب أهل بداوة وأمية، ولم يدوّنوا تواريخهم بالسنين والشهور إلا بعد


(١) انظر كتاب مروج الذهب للمسعودي - الجزء الثاني - صفحة ١٧٨.
(٢) انظر كتاب مروج الذهب للمسعودي - الجزء الثالث - صفحة ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>