ينظرون إلى ما وراءهم فيذكرون أيامهم الخوالي، ويندبون فتوتهم، ونشاطهم، وسيادتهم في قومهم، كل هذا في تصوير رائع من الفن الواقعي، والأسلوب الجميل.
وإن القارئ لكتب الأنساب، والمطلع في كتب الأدب المراجع ليرى فيها كثيرًا من الشعر لمعمرين ذكرهم أبو حاتم في كتابه، وهى منبثة في ثنايا الأخبار الأدبية الطوال، ويقرأ فيها أيضًا أخبارا أخرى لمعمرين لم يذكرهم السجستاني في كتابه، وقد روى عنهم المؤرخون من بعده، ولكن كتاب المعمرين يعتبر بحق الكتاب الأول الذي انفردت مادته بجمع جملة كبيرة من أقوال المعمرين، وبخاصة أولئك الذين عاشوا في العصر الجاهلى وفى عصر صدر الإسلام، فكل ما رواه أبو حاتم في كتابه قد ورد في ثنايا الكتب، وليس كل ما ورد في الكتب مذكورا في كتاب المعمرين، وهذا هو الدليل على سبق أبي حاتم في الاختيار والتعليق.
* * *
وإنه لما يلفت نظر دارس كتاب المعمرين أن يجد رواية الأخبار في جملتها منسوبة إلى "أبي روق" تلميذ أبي حاتم وهو الذي نقلها عن أستاذه كما سمعها وكما كتبها، ويذكر "أبو روق" النص، ويقول قبله "حدَّثنا أبو حاتم"، وفى بعض الأحيان يضيف أبو روق نصوصا أخرى من مراجع ثانية، كالحديث عن أبي عمرو الخلاد، وعن الرياشي. وعند ما يعود "أبو روق" إلى نص "أبي حاتم" يقول "أبو روق""قال أبو حاتم"، على أن "أبا روق" لا يلتزم هذه الطريقة في رواية بعض النصوص، مثل الكلام عن ذى الإصبع الشاعر، فإن القارئ لا يستطيع أن يستبين حدود ما أضافه أبو روق مما ذكره أبو حاتم، ولعل هذه الإضافة لا تزيد عن نهاية الأبيات التي رواها لذي الإصبع.
وقد عمد أبو روق إلى بعض النصوص التي رواها عن أبي حاتم، فوكدها بروايات أخرى كالحديث الذي رواه أبو حاتم عن الرياشي، عن الهيثم بن الربيع، عن الشعبي لما أرسل إليه عبد الملك بن مروان وهو شاكٍ، فقد أكد نصه أبو روق بروايته عن أبي الخطاب، زياد بن يحيى الحسّاني.