صلة ما بالمطبوع من الكتاب، فهى الكلُّ، وما نشر هو الجزء، ولا يؤخذ الكل من الجزء؛ وإنما صلتها التامة قائمة بمخطوطة كمبريدج، ويعرف السر بينهما الشيخ الشنقيطى، ﵀، وأثابه على جهده في مقابلة مخطوطة دار الكتب على أصلها.
ويظهر لى أن المستشرق جولدزهير رأى الاكتفاء بنشر كتاب المعمرين لأغراض له، قد أوضحها في مقدّمة كتابه، وتجمل هذه الأغراض في أنه عنى بنشر ذلك اللون الأدبي الذي اختاره أبو حاتم للمعمرين، وما كان يعنيه نشر كتاب الوصايا الذي عرض لموضوعه جملة وتفصيلا فيما سبق أن نشره من مؤلفات دينية وفقهية.
ولم يتيسر لى وأنا أقوم بدراسة مخطوطة دار الكتب التي أنشرها، أن أحصل على مصورة الأصل الذي نشر منه المستشرق "جولدزهير" كتاب المعمرين، حتى أقارن جزءيه، المعمرين، والوصايا بهذه المخطوطة وذلك توخيّا لسلامة المتن بمراجعته في الأصول المختلفة، فما كان لى بدٌّ من الرجوع إلى النسخة المطبوعة في ليدن، وبخاصة وأن ناشرها قد عنى بإبراز المرئيات الخاصة لكلمات المتن في احتمالاتها الممكنة، لغويا وأسلوبا، فأصبحت المطبوعة صورة طبق الأصل المنقولة عنه، وللمستشرقين في هذا السبيل جهد مذكور ومحمود، وفيما عدا هذا فقد قصرت اهتمامي في نشر هذه المخطوطة على كتب اللغة والآداب، والمصادر الأولى لكتب التراجم معتمدا على رواياتها في تحقيق النصوص الشعرية والنثرية التي وردت فيها وفى كتابي المعمرين والوصايا، وقد أثْبتّ في الهوامش الفوارق التي تستأهل الذكر من هذه الروايات.
وإنه لما يلفت النظر في الكتب العربية التي تعرض أخبار الأقدمين أن الروايات فيها يختلف بعضها عن بعض تبعا لاختلاف الرواة، واقتضاء لعامل الرواية الشفوية التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل، وأيا ما كان وجه الاختلاف فإنه لا يكاد يجاوز اللفظ إلى جوهر الخير وكنهه، وتبدو قيمة تحقيق اللفظ واضحة في نشر الكتب اللغوية ذات النصوص المأثورة التي تصلح شواهد على قواعد نحوية أو صرفية، وتقوم عليها دراسات لغوية فقهية.