للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر عن ابن البرغوث المُقري قال قال لي عبد الرحمن بن أبي حسان وجَّه إلي الأمير زيادة الله بن إبراهيم، فدخلت عليه فوجدت عنده أبا محرز وأسد بن الفرات فقال لي يا ابن أبي حسان ما تقول في النبيذ الشديد؟ فقلت أيها الأمير أنت تحله وتشربه، وهذان قاضيان يُحلاتنه ويشربانه فما عسيت أن أقول؟ قال لا بدّ، قلت شرب الكثير منه حتى يزيل العقل محرَّم عند جميع الناس، وقد أحلوا منه القليل الذي لا يسكر؛ فكانت عند زيادة الله مأدبة جمع لها وجوه أهل القيروان وأهل العلم والفقه فجلس على مائدة جمع لها وجوه أهل القيروان وأهل العلم والفقه فجلس على مائدة بين يديه سحنون بن سعيد وابن أبي حسان ومعمر ابن منصور الفقيه وعمران بن أبي محرز، فاستسقى معمر ماءً فقال له الأمير إن عندنا شراباً كثيراً؛ عندنا الماء، وشراب الورد وشراب الجُلاَّب وما أشبههما، ومطبوخ العنب، ومطبوخ الزبيب، ونبيذ العسل، ونقيع الزبيب، فاختر أيها شئت [فطلب نبيذاً] فأمر أن يؤتى به، فسقاه أحد الغلمان ثلاثة أقداح، فالتفت إليَّ فقال ما تقول في النبيذ؟ فقلت أنت تراني أيها الأمير أشربه وتسألني عنه روينا عن عبد الله بن عباس قال حُرِّمت الخمر بعينها والسكر من كل شراب، وأتى بأحاديث كثيرة يحتج بها في تحليله، فقال لسحنون رحمه الله وأنت ما تقول؟ قال اختلف الناس فيه، وأنا أقول بتحريمه، فقال لعمران بن أبي محرز فأنت؟ قال كان أبي وأخي يشربانه وكنت أشربه ثم تركت شربه، قال ولِمَ؟ والله إن أباك وأخاك خير منك، قال إن ذلك لعلةٍ وهو لا يوافقها.

وكان معمر لا يستأثر في شرب النبيذ، وكان لسحنون بن سعيدٍ خلاًّ وصديقاً لا يغير ذلك ما بينهما وكان يفتقده كثيراً ويزوره. فيقال أنه دخل يوماً إليه وكأس كبير ملآن بالنبيذ مكشوف بالقرب منه، فقال: ألا تخاف عليه من الذباب؟ قال: هو أمنع جانباً من ذلك. ودخل معمر يوماً على زيادة الله بن إبراهيم فقال له: يا معمر إني أحب النبيذ، وما تراني أصبر عنه، فما ترى لي أن أشرب منه؟ فقال: أرى أن تشرب قدحاً واحداً، قال: لا يقوم بي، قال: قدحين، قال: لا يقومان بي، قال: فثلاثة، قال: لا تكفيني، قال: وثلاثمائة ما لم تسكر.

وأتاه رجل فقال: أصلحك الله ما تقول في نبيذ هذا الزبيب الطرقوني، المنقع المضروب بالعسل، فقال له معمر: بختك أشقى من أن يكون هذا في بيتك.

قال معمر بن زرزور: سمعت معمراً، وأتاه رجل يسأله عن النبيذ النقيع الذي يعمل من الزبيب، يقول: يا شحيح، يا بخيل، أهدِ لنا منه جرَّة.

ولمعمر في تحليل النبيذ كتاب حسن يدل على حذقه ومعرفته، وكان أخذ تحليله من عبد الله بن فروخ، وكان عبد الله على زهده وورعه وصيانته يحلل النبيذ ويرى شربه غير مستترٍ فيه. وروي أنه حضر يوماً عرساً بالقيروان لبعض إخوانه فلما أُتي بالطعام جلس إلى جانب ابن فروخ رجل متصوف ممن يرى تحريم النبيذ، فنظر إليه ابن فروخ، وقد أخذ دجاجة من على المائدة فلفها في منديله وجعلها تحت المائدة، ثم أُتي بالنبيذ فدُفع إلى ابن فروخ قدحٌ كبير فشربه، ثم مُلئ فدُفع إلى ذلك الرجل الذي كان إلى جانبه فامتنع من شربه وامتعض وغضب وأظهر كراهة شديدة، وقال: أنا أشرب النبيذ؟ فالتفت إليه ابن فرّوخ كأنه يُساره وقال: اشرب يا سارق الدجاجة، لأنه أخذها من غير إذن صاحبها.

وعن علقمة بن قيس قال: أكلت مع عبد الله بن مسعود خبزاً ولحماً وأُتي بنبيذ شديد فشرب من وسقاني. وعن علقمة قال: سألت عبد الله بن مسعود عن حديث رسول الله (ص) في المسكر فقال: الشربة الآخرة منه حرام. وقال: دُعي أبو موسى الأشعري إلى وليمةٍ فأتي بطعام فأكل ثم أتي بعسٍّ فشرب منه وناول رجلاً عن يمينه، قال: فشربت فإذا طلاءٌ شديد.

وكان عمر بن (الخطاب) يتزود الراوية من نبيذ الزبيب، وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس: فسِّر لي قوله (ص) كل مسكر حرام، قال: تشرب الشراب وهو لك حلال، فإذا سكرت منه فهو حرام. وسئل أيضاً عن مثل ذلك فقال: الشربة التي تسكر منها (حرام) . وسئلت عائشة عن النبيذ فقالت: اشربوا ولا تسكروا. وعن قتادة بن دعامة قال: سألت أنس بن مالك عن النبيذ فقال: ما سمعت عن النبي (ص) فيه شيئاً.

<<  <   >  >>