للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجماع على الشراب مؤذٍ في أكثر الأحوال، وأعظم ضرره أن يعتريه النقرس وأوجاع المفاصل والظهر والكلى. ومن كان ضعيف العصب جلب عليه التشنج، وقد ضرره بقدر بطء إنزاله وإجهاده نفه. وهو أقل ضرراً بالقويِّ العصب، الصلب اللحم إذا لم يكن إنزاله بحركةٍ شديدةٍ أو طويلة، ولم ولم يكن في نهاية السكر، والبطن يتخضخض بما فيه، والجماع في تناول شيءٍ من الشراب وخفةٍ من البطن ليس بضائر، وأما الزبيب فطبعه الحرارة واليبوسة لأن الزمان قد أفنى أكثر رطوبته ولم يترك منها إلا الشيء القليل وفيه عشر منافع تغذو البدن غذاءً أجود من غذاء سائر الأشياء الحلوة ويقويّ المعدة ويشدها وينشف الرطوبات من المعدة، المنحدرة إليها من الرأس، ويمنع من سرعة الشيب ومن اجتماع البلغم في موضعٍ من البدن وإذا أُكل بحبه أسمن البدن وإذا أُكل بغير حبه عدل الطبيعة وأصلح مزاج البدن لأنه يحدث الرطوبات المفرطة فيه ويحمي البرودة الزائدة التي فيه، والمدمن عليه لا تناله الأمراض بسرعة بل تندفع أبداً عنه وهو يعدّ في الأغذية الدوابية والأدوية الغذائية، وهو أوفق من العسل في كثير من المعجونات إذا أخرج حبُّهُ، والشراب الذي يتخذ منه فيه منافع كثيرة، وأما العنب فهو على الجملة خير من الفاكهة كلها، لا مضرة فيه ولا أذى إذا بلغ في شجرة وهو يغذي البدن غذاءً محموداً ويزيد في لحمه وشحمه لا سيما ما كان منه صادق الحلاوة يعدِّلُ الطبيعة ويبيض اللون ويوَرِّده ويزيد في المنّي ويُنهض إلى الجماع بقوة، ويزيد في شحوم النساء ولحومهن وينعِّم أبدانهن ويصفيها من الأدران ويذهب النمش والكلف من وجوههن، وإن أكلته الحوامل وأدمن عليه خرج الولد في نهاية ما يكون من السِّمن والبياض، ويكون قليل الأمراض قليل البكاء قليل الجدري والحصباء ويحفظ الصحة على الأصحاء. وهو غذاءٌ موافق للناس كلهم ومن أدمن على أكله قام له مقام الخبز واللحم وهو أجود كل غذاء يخرجه الشجر لأنه وحده الراكب والشجر بين يديه يمشون رجاله حفاةً كعلو الإنسان على سائر الحيوان، وليست على الجملة، فيه مضرة إلا أن خرج من الإكثار منه عن الحد.

قد أَثبتُّ لك أعزك الله من قول الفلاسفة والحكماء بعض ما شرطته لك في أول هذا الكتاب وقصد الصواب إن شاء الله تعالى.

[ذكر ما جاء في مبادرة اللذات]

بأوَّل من فتح هذا الباب امرئ القيس فقال:

تمتَّع من الدنيا فإنكفان ... من النشوات والنساء الحسان

وأبو داود الإيادي فإنه قال:

تأتي الأمور وأنت منتبهٌ لها ... فإذا مضت فكأنها أحلامُ

وقال الطِّرماح:

إنما ذِكرك ما قد تقضى ... ضلة مثل حديث المنام

وقال إبراهيم بن العباس الصولي:

إنما المرء صرة ... حيث تمَّت تناهت

أنا مذ كنت في التصرف لي مثل ساعتي

وقال أحمد بن علي الماذرائي:

عاقِر الراح ودع نعت الطَّللْ ... واعصِ من لامك فيها أو عَذَلْ

غادِها، واغن بها واسعَ لها ... وإذا قيل تصابى، قل: أجَل

إنما دنياك، فاعلم، ساعةٌ ... أنت فيها وسوى ذاك أملْ

يزيد بن معاوية:

أقول لصحبٍ ضمَّتِ الكأس شملهم ... وداعي صبابات الهوى يترنَّمُ

خذوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذةٍ ... فكلٌّ وإن طال المدى يتصرمُ

ألا إن أحلى العيش ما سمحت به ... صروف الليالي والحوادث نُوَّمُ

ابن المعتز:

ألا علِّلاني إنما العيش تعليل ... وما لحياةٍ بعدها ميتةٌ، طولُ

خذا لذةً من ساعةٍ مستفادةٍ ... فليس لتعويق الحوادث تمهيل

دعاني والدنيا أنل من نعيمها ... فإني عنها بعد ذلك مشغولُ

وأنشد المبرد للرياشي:

بادر صَبوحك بالتي ... تنفي همومك والفِكر

خذ من زمانك ما صفا ... ودع الذي فيه الكدر

فالوقت يقصر عن معاتبة الخليل على الغِيرْ

عبد الله بن الحسين القُطرُّبلي:

دنياك شيئان فانظر ... ما ذانِك الشَّيانِ

ما فات منها فحُلمٌ ... وما بقي فأماني

عبد السلام بن رغبان (ديك الجن) :

<<  <   >  >>