للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال إسحق الموصلي وذكر النُّدماء: الواحد غمٌّ، والإثنان همّ، وثلاثةٌ قِوامٌ، وأربعةٌ تمامٌ، وخمسةٌ زحامٌ، وسبعةٌ جيشٌ لُهام.

وأنشد البريدي: وخير الندامى ستَّة من ذوي الحِجى فخمسة إخوانٍ وآخرُ مُسمعُ

ويبقى لديهم جاهل ومعربدٌ ... ومبدٍ لأسرار الندامى مُضيِّعُ

وقال دعبل، ورويت للفرزدق:

إذا ما جاوز الندماء كَفِّي ... بربِّ البيت والساقي الأديبِ

فأيري في حِرِ أُمِّ فتىً دعانا ... وأيري في حِرِ أمِّ فتىً مُجيبِ

وقال محمد بن أحمد الكاتب:

ثلاثةٌ في مجلسٍ طيِّب ... وصاحب المنزل والضاربُ

فإن تجاوزتَ إلى ستةٍ ... أتاك منهم شغب شاغِبُ

وقال ابن الطليق الثقفي:

ولا خير في الندمان إلا ثلاثةٌ ... سواءٌ كأمثال الأثافيّ في القدر

فإن كان فيهم رابعٌ كان مُسمِعاً ... يُسلي بأصوات له شجنَ الصدر

ذكر ما جاء في طيِّ بساط النبيذ

أول من قال ذلك المأمون. قال: النبيذ بساط فإذا رُفع طُوي بما كان عليه. أخذه بعض الشعراء فقال:

إذا رفع النبيذ فليس حزماً ... إعادة ما يكون على النبيذِ

إعادة ما يكون من السكارى ... ينغِّصُ لذَّة العيش اللذيذِ

وكان المأمون قد نقل معلمه أبا محمد اليزيدي إلى حضور مجلس الأُنس والمنادمة فقال المأمون، في بعض حديثه، سداد من عَوَز، فقال له اليزيدي، أخطأت، إنما ياقل: هاهنا سِدادٌ من عوز، ومنه قول العرجي:

أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ... ليومِ كريهةٍ وسدادِ ثغرِ

فقال له: مقبولٌ منك يا أبا محمد، فلما انصرف وصحا من سكره كتب إليه معتذراً:

أنا المذنب الخطَّاءُ والعفو زاسع ... ولو لم يكن ذنب لما عُرف العفوُ

سكرتُ فأبدت منِّي [الكأسُ] بعض ما ... كرِهتَ، وما إن يستوي السكرُ والصحوُ

ولا سيما إذ كنتُ عند خليفةٍ ... وفي مجلسٍ ما إن يجوز به اللغوُ

فإن تعفُ عنِّي ألفِ خطوي واسعاً ... وإلا يكن عفوٌ، فقد قَصُرَ الخطوُ

فوقع عليه: يا أبا محمد، النبيذ بساط يطوى بما كان عليه، ولا يُنشر، ويُنسى ما كان منه ولا يذكر، فأخذ هذا القول الناشئ فقال:

إنما مجلس الندامى بساطٌ ... للأحاديث بينهم بسطوهُ

فإذا ما انقضى الشراب وقاموا ... لانصرافٍ من فوقهِ رفعوهُ

وشرب مع يحيى بن جعفر بعضُ ندمائه فلما سَكِر كلَّمه كلاماً جفا عليه، فلما صحا ندم، وكتب إليه:

سيدي أنت إن تعاظم ذنبي ... فاعف عنِّي فأنت للعفو أهلُ

لا تؤاخذ بما جنته يدُ السُّكرِ فتى ما له على الصحوِ عقلُ

فوقع إليه: عذرك مبسوطٌ، واللوم عنك محطوط، وحقُّ ما جرى على النبيذ أن يغفر ويُستر وينسى فلا يذكر.

وكان الحسين بن الضحاك الخليع ينادم المعتصم، فغضب عليه في شيءٍ جرى على النبيذ أحجبه أياماً فكتب إليه:

غضب الإمام أشد من أدبهْ ... وبه استجرتُ وعذتُ من غضبه

لا والذي لم يُبق لي سبباً ... أرجو النجاة به سوى سببه

ما لي شفيع غير رحمته ولكلِّ من أشفى على عطبه فلما قرئت عليه، التفت إلى الواثق فقال: إن هذا الكلام ليعطف الكرام، لقد زال ما بنفسي عليه، ورضي عنه وأمر بإحضاره.

وكان ابن جوار، كاتب العباس بن أحمد بن طولون، ينادم أبا حفصٍ الشطرنجي، فنقل ما يجري في مجلسه إلى العباس، فكتب إليه أبو حفص: إنما مجلس النبيذ مجلس أنسٍ ومسرح لبانة وذائدُهم ومرتع لهوٍ ومعهد سرورٍ وموطن لذَّة، فإذا انقضى طُويَ ما كان فيه ولم يذكر ما دعت إليه دواعيه، ثم قال:

ولقد قلت للأخلاءِ يوماً ... قول ساعٍ بالنصح لو قبِلوه

إنما مجلس النبيذ بساطٌ ... للمودَّات بينهم وضعوه

فإذا ما انتهوا إلى ما أرادوا ... من نعيمٍ ولذةٍ رفعوه

<<  <   >  >>