للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعلت فِداءَ الأمير، حضرني بيتٌ فصنعت فيه لحناً وروَّيته بُدَيْحاً ووجهته إلى ألمير وأمرته بإنشاده إياه، قال: فسار بديح إلى إبراهيم فغنَّاه الصوت وهو:

نديمي قد خفَّ الشراب ولم أجد ... له سورة في عظم رجلٍ ولا يد

فضمَّ إليه إبراهيم هذا البيت:

فدونك هذا الرِّيَّ فاشرب مُسلماً ... فلا خير في الشرب القليل المصرَّدِ

وبعث إليه ثلاثة أبغل عليها ألوان الشراب مجللة بأثواب ديباج وثلاثة غلمان روم وأجاز بديحاً بجائزة سنيَّة حسنة.

وكتب محمد بن علي بن بسَّام يستهدي نبيذاً:

قد سقتنا من ماءِ مُزنٍ ... فاسقِنا من سُلاف صفو الدِّنانِ

ولأعنِّي على الزمان فإني ... بك أرجو دفاع صرف الزمان

وكتب إسحق بن إبراهيم الموصلي رقعة إلى أحمد بن معاوية يستهديه نبيذاً فبعث إليه بدنٍّ فلما توسط الغلام الجسر رجمه بعض المارَّة فكسره، فلما صار إلى إسحق وأخبره أعاده إليه برقعةٍ فيها:

يا أحمد بن معاوية ... إني رميت بداهية

أشكو إليك وأشتكي ... كسر الغلام الخابية

يا ليتها سلمت وكان فداءَها ابن الزانيو

فبعث إليه بدَنَّيْن.

وقال الصنوبري:

ما شفاني إلاَّ النبيذ فما رأيُك في أن تجود لي بشفائي

وليكن صافياً إذا لحظته العين فازت منه بحسن الصفاءِ

فهو مثل الهواء في رقَّة الصنعة بل لا يجوز حدَّ الهواء

مُلبِسٌ لونُه الإناءَ شُعاعاً هو من ظاهر الإنا بإناءِ

مثل ريق العذراء في اللون والتوريد في صحن وجنة العذراءِ

وكشمِّ المعشوق يشتمه العاشِق في غفلةٍ من الرقباء

وكتب أبو البصير الشاعر إلى صديقٍ له: كتبت إليك في آخر يوم من أيام الدنيا بخروج شعبان وأول يوم من أيام الآخرة بدخول رمضان، ولا نبيذ عندي فابعث إليَّ من نبيذك ما أكون به ضيفك في بيتي والسلام.

واستهدى أبو شراعة من سعيد بن موسى بن سعيد بن مسلم الباهلي نبيذاً، وكان على أبي شراعة يمين ألا يصحو من أيام الأُسبوع يوماً واحداً. وكتب إليه: أستنسئ الله في أجلك، وأستعينه من المحذور فيك، وأستعينه على شكر ما وهب من النعمة بك، الكرم منك سجيَّة مطبوعة، وعن غير كلالة ورثته، موسى أبوك، وسعيد جدُّك، ففي أيِّ درجات المجد يطمع قرينك على أن يستولي على الأمر دونك. فبعث إليه شراباً كثيراً، وكتب إليه: وصلت إليَّ ذات الحسب العتيق والمنظر الأنيق فسرَّت القلب وطردت الغمَّ، ولاءَمت الروح، ونفت الهم، لها نفحة المسك والكافور، وتضوع العنبر والعبير، تدب خلال ضلوع الفتى، دبيب رياَّ الروضة المنعش، إذا فتحت عبقت ريحها بريَّا البنفسج والمردقش.

وأهدى عبد الله بن الحسين بن سعيد إلى البحتري شراباً أصفر في زجاج أزرق، فكتب إليه:

طرقتنا تلك الهدية والصهباء من خير ما تبرَّعت تُهدي

لبست زرقة الزجاج فجاءت ... ذهباً يستنير في اللاَّزوردِ

وكتب بعض الكتاب إلى صديق له:

عندي غناءٌ وألوانٌ من الزهرِ ... والشرب مجتمع والورد منتثرُ

وليس يصلحنا إلاَّ النبيذ وما ... في ظرفنا منه إلاَّ الريحُ والأثرُ

فنحن مثل رحى الطحان أحضرها ... حبًّا لتطحنه والقطبُ منكسِرُ

وقال آخر:

إني لأُظهرُ للرَّبيع محبَّةً ... إذ كنت أعتد الربيع أخاكا

ما للمدام تأخرت عن فتيةٍ ... عزموا الصبوح وأملوا جدواكا

ما كان صوب المُزنِ يطمعُ قبلها ... في أن يجيء نداه قبل نداكا

تجلو برونقها العيون إذا أتت ... عفواً ونشربها على جدواكا

يغني النديم عن الغناءِ حديثنا ... بمحاسنٍ لَكَ لم تكن لسواكا

قال محمد بن يزيد، وكتب أبو تمام إلى الحسن بن وهب يستسقيه نبيذاً:

جعلت فداك عبد الله عندي ... بعقب الهجر منه والبعاد

له لُمةٌ من الكتاب بيض ... قضَوا حق الزيارة والوداد

واحسب يومهم إن لم تجدهم ... مصادف دعوةٍ منهم جماد

فكم يوم من الصهباء سارٍ ... وآخر منك بالمعروف غادٍ

وقال ابن المعتز:

<<  <   >  >>