للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر، ملاعب الأسنة، عمّ لبيد بن ربيعة، وكان سأل رسول الله (ص) أن يبعث معه قوماً يعرضون على بني جعفر الإسلام ويفقهونهم في الدين؛ فبعث إليهم قوماً من أصحابه فعرض لهم عامر بن الطفيل يوم بئر معونة فقتلهم أجمعين. فاغتم أبو براء غماً شديداً لإخفار عامر بن الطفيل ذمته، ودعا بني عامر إلى الوثوب به فلم يجيبوه، فشرب الخمر صرفاً حتى مات.

ومنهم زهير بن جناب الكلبي رأس قضاعة، وكان قد كبر وأسَّن فنازعه الرئاسة ابن أخيه عبد الله، فقال زهير يوماً: ليظعَنِ الحيُّ، فقال ابن أخيه: إن الحي مقيمٌ، فأعادها مراراً وأعادها ابن أخيه مراراً، فقال: من هذا يردُّ عليَّ؟ فقالوا: ابن أخيك. فقال: وما أحدٌ ينهاه؟ قالوا: لا، قال: شرّ الناس للرجل ابنُ أخيه، فشرب الخمر صرفاً حتى مات.

وربما بلغت جناية الكأس إلى زوال النعمة وسقوط المروءة وتلف النفس، وأكبر عيوب النبيذ السُّكر، حتى أن المِلل كلها مجتمعة على تحريمه غير مختلفة فيه.

ولقد حرَّم الخمر في الجاهلية جماعة من كبراء العرب وأفاضلهم لما نالهم من معرَّة السُّكر، ومنهم قيس بن عاصم المنقريّ، وذلك أن خماراً استجار به فأنزله وأكرمه فسقاه الخمار حتى سكر فأخذ رمحه وشقَّ زِقاق الخمر فوافته أُخته فساورها وأرادها على نفسها فشقَّ ثوبها وخمَّش وجهها، فلما صحا وخرج، نظر إلى الخمر جارية وجاره الخمار يدعو بالويل والثبور، فرجع إلى أخته، فقال: من فعل هذا بجاري اخمار؟ قالت: الذي راود أُخته وفعل بوجهها وثوبها ما ترى، فاستحيا من ذلك وحَرَّم الخمر حتى مات.

وقال في ذلك:

لعمرك إن الخمر ما دمت شارباً ... لسالبةٌ مالي ومذهبةٌ عقلي

وتاركتي بين الضِّعاف قُواهُمُ ... ومورثتي حرْب الصديق بلا تَبل

قال أبو عبيدة: شرب البرْجُ بن مسهر الطائي الخمر فسكر، فسمع أُخته تبول، فقال: إني لأسمع شخَّة لا بد أن أزَّجها زجَّة، ووثب على أُخته فنالها، فلما صحا أُخبِر بذلك، فمضى هارباً إلى الشام ثم تنصَّر بها وشرب الخمر صرفاً حتى مات ندامة على ما كان منه.

وحرَّم صفوان بن أمية الخمر في الجاهلية، وقال:

رأيت الخمر صالحةً وفيها ... مناقب تفسد الرجل الكريما

فلا والله أشربَها حياتي ... ولا أشفي بها أبداً سقيما

إذا دبَّتْ حمَّياها تبدَّت ... ظوالِعُ تفضحُ الرجلَ الحليما

ولا أُعطي بها ثمناً حياتي ... ولا أدعو لها أبداً نديما

وحرَّم الخمر في الجاهلية عفيف بن معدي كرب عمُّ الأشعث ابن قيس وقال:

وقالت لي هلُمَّ إلى التصابي ... فقلتُ عففتُ عما تعلمينا

وودعتُ القِداح وقد أراني ... بها [في] الدهر مشغوفاً رهينا

وحرَّمتُ الخمور عليَّ حتى ... أكون بقعر ملحودٍ دفينا

وكان اسمه شرحبيل، وإنما سمِّيَ عفيفاً بالبيت الأول، وقال أيضاً:

فلا والله لا أُلفى وشرباً ... أُنازعهم شراباً ما حييتُ

أبي لي ذاك آباءُ كرامٌ ... وإخوانٌ بعزِهِمُ ربيتُ

قال: وحرَّم الخمر في الجاهلية سُويد بن عطاء الطائي، وأدرك الإسلام، وقال:

تركتُ الشِّعر واستبدلت منه ... إذا داعي منادي الصبح قاما

وودعتُ الخمور وقد أراني ... بها سَدِكاً وإن كانت حراما

وشرب مِقْيَس بن صُبابة السَّهمي الخمرَ في الجاهلية فسكر سكراً شديداً قبيحاً حتى مر ينادي قومه ويخطّ ببوله ويقول: أصنع لكم نعامةً أو بعيراً، فلما صحا، خُبِّر بما صنع فحرَّمها على نفسه، وقال:

تركت الرَّاح إذا أبصرت رُشدي ... فلست بعائد أبداً لراح

أأشرب شربةً تزري بعِرضي ... وأصبح ضحكةً لذوي الصَّلاح

معاذ الله لا يُودى بعقلي ... ولا أشري الخسارة بالرَّباح

سأترك شربَها وأكفُّ نفسي ... وألهيها بألبانِ اللقاح

<<  <   >  >>