فلما رآه الذُهلي نزعَ قلنسوته فوضعها على ركبته وقال: قُمْ يا عمرو. فذهب الرجل فجاءه بنُزُل رجلين. فقال فيهم شاعرٌ يهجوهم بذلك:
إذا أَنْفَذَ الذُهليُّ ما في جِرابِهِ ... تلفَّتَ، هل يلقى برابيَةٍ قَبرا
فإنْ قيل: قبرٌ من لُجيمٍ ببلدةٍ ... أناخَ وسَمَّى رأسَ رُكبتِهِ عَمْرا
اليمن // ٧٣ - عمرو بن المنذر الملك بن امريء القيس اللخمي. وأمه أمامة ابنة عمرو بن الحارث الكِندي، وبها يُعرف. وهو أصغر ولد المنذر، وكان ولد المنذر الملوك الأكابر، وهم عمرو الأكبر والمنذر وقابوس، لعمتها هند ابنة الحارث الكندي،. فطلقها المنذر بن امرىء القيس وتزوج ابنة أخيها، وقال:
كَبِرتْ وأدركها بناتُ أخٍ لها ... فأَزلن إمّتَها بركضٍ مُعجل
الإمّةُ: النعمة فلما مات المنذر وملك ابنه الأكبر عمرو في المنذر، ردَّ إلى أخيه قابوس أمر البادية، ولم يرُدّ إلى عمرو بن أُمامة شيئاً فقال:
ألإبْنِ أُمَكَ ما بَدا ... ولك الخورنقُ والسّديرُ
فلأَمنعنّ منابتَ الضَمْران إذ مُنِع القُصورُ
بكتائب تَرْدِى كما ... تَرْدى إلى الجيفِ النسورُ
إنّا بني العَلاّتِ تُقضَى دون شاهدِنا الأمورُ
ثم خرج مُغاضباً لأخيه وقصد اليمن فأطاعته مُراد، فأقبل بها يقودها نحو العراق، حتى إذا سارَ بها لياليَ تلاومتْ مرادُ بينها وكرهت المسير معه، وثار به المشكوح هبيرة بن عبد يغوث وقتله، ولما أُحيطَ به ضاربهم بسيفه حتى قُتِل، وقال:
لقد عرفتُ الموتَ قبلَ ذَوقِهِ ... إنَّ الجبانَ حَتْفُه من فَوْقِهِ
كل امرىء مقاتلٌ، عن طوقِهِ ... كالثور يحمي جلْدَه بَروْقِهِ
وبهذا تمثل عامر بن فُهيرة الشهيد رحمه الله يومَ بئر معونة، حين هاجروا إلى المدينة فاجتووها. حدثني بذلك أحمد بن أبي خيثمة عن أحمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق.
٧٤ - عمرو بن الحارث بن عمرو أبو شُرحبيل الكندي، هو الذي يقول يرثي أخاه شُرحبيل المقتول بالكُلابِ، وقتلته تغلب:
إنَّ جنبي عن الفراشِ لنَابِي ... كتجافي الأَسَرَّ فوق الظّرابِ
من حديثٍ نمى إليَّ فما أطعم نوماً ولا أُسيغ شرابي
مْرّة كالذُعافِ يكتمها النا ... سُ على حرِّ مَلَّةٍ، كالشهابِ
يا ابنَ أُمّي ولو شهدتك إذتد ... عو تميماً وأنتَ غيرُ مُجابِ
٧٥ - عمرو بن الإطْنابة، وهي أمُّهُ، وأبوه عامر بن زيد مناة بن مالك بن الأَغرّ الخزرجي.
شاعر فارسٌ معروف.
حدثني أبو بكر أحمد بن زهير، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة بن الحكم الكلبي، وحدثني محمد بن راشد قال: حدثنا مسعود بن بشر قال: حدثنا ابن داحة عن ابن دأب. قال: قال معاوية بن أبي سفيان لقد هممتُ بالهرب يومَ صِفين، فما ردَّني إلاّ ما ذكرتُ من أبيات عمرو بن الإطنابة، حين يقول:
أَبَتْ لي عِفّتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثَمن الربَيحِ
وقولي كلما جشأَتْ لنفسي ... مكانَكِ، تُحْمدي أو تستريحي
واقدامي على المكروِه نفسي ... وضربي هامة البَطلِ المُشيح
لأَدفعَ عن مآثِر صالحاتٍ ... وأحمي، بعدُ، عن حَسبِ صريح
قال: فقلتُ: الله لتُحامِيَنّ عن الشاة والبعير ولأَفِرنَّ عن المُلكَ! قال: فصبرتُ حتى آلَ الأمرُ إلى ما آلَ إليه.
وحدثني أبو عبد الله محمد بن علي بن حمزة العباسي بإسناده، قال: لما قَتل الحارثُ بن ظالم المرقي خالدَ بن جعفر بن كلاب نائماً في قُبّة النعمان مُتّئِراً بزهير بن جَذيمة العبسي، قال فيه الناسُ وفي قتله إياه نائماً، وكان الحارثُ يغاور الأوس والخررج بالمدينة لقرب دارهم منهم، فقال عمرو بن الإطنابة:
أبلغ الحارثَ بن ظالمٍ الُمو ... عدَ وَالناذرَ النُذورَ عَلَيّا
إتما تقتلُ النيامَ ولا تقتُلُ يقظانَ ذا سلاحٍ كمِيّا
ومعي عُدَّتي معَابلُ كالخمْرِ، وأعددتُ صارماً مشرفيا
قال: فأتاه الحارث بن ظالم متخفياً فدقَّ بابَه ليلاً ثم قال: إني مستجير، قال: قد أَجرتُكَ.