الرَّحْمَة لم يَصح أَن يُقَال لطالبها من الله مُصَليا وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ مسترحما لَهُ كَمَا يُقَال لطَالب الْمَغْفِرَة مُسْتَغْفِرًا لَهُ ولطالب الْعَطف مستعطفا ونظائره وَلِهَذَا لَا يُقَال لمن سَأَلَ الله الْمَغْفِرَة لغيره قد غفر لَهُ فَهُوَ غَافِر وَلَا لمن سَأَلَهُ الْعَفو عَنهُ قد عَفا عَنهُ وَهنا قد سمي العَبْد مُصَليا فَلَو كَانَت الصَّلَاة هِيَ الرَّحْمَة لَكَانَ العَبْد راحما لمن صلى عَلَيْهِ وَكَانَ قد رَحمَه برحمة وَمن رحم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة رَحمَه الله بهَا عشرا وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان
فَإِن قيل لَيْسَ معنى صَلَاة العَبْد عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحمته وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا طلب الرَّحْمَة لَهُ من الله قيل هَذَا بَاطِل من وُجُوه
أَحدهَا أَن طلب الرَّحْمَة مَطْلُوب لكل مُسلم وَطلب الصَّلَاة من الله يخْتَص رسله صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم عِنْد كثير من النَّاس كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فَإِن قيل فَأنْتم قد سميتم طَالب الصَّلَاة من الله مُصَليا
قيل إِنَّمَا سمي مُصَليا لوُجُود حَقِيقَة الصَّلَاة مِنْهُ فَإِن حَقِيقَتهَا الثَّنَاء وَإِرَادَة الْإِكْرَام والتقريب وإعلاء الْمنزلَة وَهَذَا حَاصِل من صَلَاة العَبْد لَكِن العَبْد يُرِيد ذَلِك من الله عز وَجل وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيد ذَلِك من نَفسه أَن يَفْعَله بِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما على الْوَجْه الثَّانِي وَأَنه سمي مُصَليا لطلبه ذَلِك من الله فَلِأَن الصَّلَاة نوع من الْكَلَام الطلبي والخبري والإرادة وَقد وجد ذَلِك من الْمُصَلِّي بِخِلَاف الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة فَإِنَّهَا أَفعَال لَا تحصل من الطَّالِب وَإِنَّمَا تحصل من الْمَطْلُوب مِنْهُ وَالله أعلم