وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يُوسُف ١٠٨ وَسَوَاء كَانَ الْمَعْنى أَنا وَمن اتبعني يَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَو كَانَ الْوَقْف عِنْد قَوْله {أَدْعُو إِلَى الله} ثمَّ يَبْتَدِئ {على بَصِيرَة أَنا وَمن اتبعني} فالقولان متلازمان فَإِنَّهُ أمره سُبْحَانَهُ أَن يخبر أَن سَبيله الدعْوَة إِلَى الله فَمن دَعَا إِلَى الله تَعَالَى فَهُوَ على سَبِيل رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على بَصِيرَة وَهُوَ من أَتْبَاعه وَمن دَعَا إِلَى غير ذَلِك فَلَيْسَ على سَبيله وَلَا هُوَ على بَصِيرَة وَلَا هُوَ من أَتْبَاعه
فالدعوة إِلَى الله تَعَالَى هِيَ وَظِيفَة الْمُرْسلين وأتباعهم وهم خلفاء الرُّسُل فِي أممهم وَالنَّاس تبع لَهُم وَالله سُبْحَانَهُ قد أَمر رَسُوله أَن يبلغ مَا أنزل إِلَيْهِ وَضمن لَهُ حفظه وعصمته من النَّاس وَهَكَذَا المبلغون عَنهُ من أمته لَهُم من حفظ الله وعصمته إيَّاهُم بِحَسب قيامهم بِدِينِهِ وتبليغهم لَهُم وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتبليغ عَنهُ وَلَو آيَة ودعا لمن بلغ عَنهُ وَلَو حَدِيثا وتبليغ سنته إِلَى الْأمة أفضل من تَبْلِيغ السِّهَام إِلَى نحور الْعَدو لِأَن ذَلِك التَّبْلِيغ يَفْعَله كثير من النَّاس وَأما تَبْلِيغ السّنَن فَلَا تقوم بِهِ إِلَّا وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وخلفاؤهم فِي أممهم جعلنَا الله تَعَالَى مِنْهُم بمنه وَكَرمه
وهم كَمَا قَالَ فيهم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته الَّتِي ذكرهَا ابْن وضاح فِي كتاب الْحَوَادِث والبدع لَهُ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أمتن على الْعباد بِأَن جعل فِي كل زمَان فَتْرَة من الرُّسُل بقايا من أهل الْعلم يدعونَ من ضل إِلَى الْهدى