مَا دَفعه الله عَن العَبْد مِنْهَا فَهُوَ عَافِيَة وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث فَإِن أحدا لم يُعْط بعد الْيَقِين خيرا من الْعَافِيَة
سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يرزقه الْعَفو الَّذِي هُوَ الْعُمْدَة فِي الْفَوْز بدار الْمعَاد ثمَّ سَأَلَهُ أَن يرزقه الْعَافِيَة الَّتِي هِيَ الْعُمْدَة فِي صَلَاح أُمُور الدُّنْيَا والسلامة من شرورها ومحنها فَكَانَ هَذَا الدُّعَاء من الْكَلم الْجَوَامِع والفوائد النوافع فعلى العَبْد أَن يستكثر من الدُّعَاء بالعافية وَقد أغْنى عَن التَّطْوِيل فِي ذكر فوائدها ومنافعها مَا ذكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهَا إِذا كَانَت بِحَيْثُ أَنه لم يُعْط أحد بعد الْيَقِين خيرا مِنْهَا فقد فاقت كل الْخِصَال وَارْتَفَعت درجتها على كل خير وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ مَا يدل على أَن الْعَافِيَة تَشْمَل أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ الظَّاهِر من كَلَام أهل اللُّغَة لِأَن قَوْلهم دفاع الله عَن العَبْد غير مُقَيّد بدفاعه عَنهُ لأمور الدُّنْيَا فَقَط بل يعم كل دفاع يتَعَلَّق بالدنيا وَالْآخِرَة وَقَالَ فِي النِّهَايَة والمعافاة أَن يعافيك الله من النَّاس ويعافيهم مِنْك أَن يُغْنِيك عَنْهُم ويغنيهم عَنْك وَيصرف أذاهم عَنْك وأذاك عَنْهُم وَقيل هِيَ مفاعلة من الْعَفو وَهِي أَن يعْفُو عَن النَّاس ويعفوا هم عَنْك
وَقَالَ فِي الْقَامُوس والمعافاة أَن يعافيك الله من النَّاس ويعافيهم مِنْك //
(وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا سَأَلَ الله الْعباد شَيْئا أفضل من أَن يغْفر لَهُم ويعافيهم (ز)) // الحَدِيث أخرجه الْبَزَّار كَمَا قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله وَهُوَ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا سَأَلَ الله الْعباد شَيْئا الحَدِيث الخ قَالَ فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير مُوسَى بن السَّائِب وَهُوَ ثِقَة
أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا القَوْل الْعَام وَالْكَلَام الشَّامِل بِأَنَّهُ مَا سَأَلَ الْعباد رَبهم من الْمسَائِل الْمُتَعَلّقَة بِأُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أفضل من أَن يسألوه أَن يغْفر لَهُم ويعافيهم لما قدمنَا من أَن الْعُمْدَة الْكُبْرَى فِي نيل السَّعَادَة الأخروية هِيَ مغْفرَة الذُّنُوب وعفو الله عَنْهَا والعمدة الْعُظْمَى فِي نيل السَّعَادَة الدُّنْيَوِيَّة هِيَ الْعَافِيَة وَهَذِه الْكَلِمَة كَمَا ترى فِيهَا مَا يبْعَث رغبات الراغبين إِلَى إِمَامَة الطّلب من رب الْعَالمين أَن يغْفر ويعافي فَمن رزق الاستكثار من