ولقد صدق هذا الخبر على أئمة المساجد، فتركوا ذكر الدجال على المنابر وهم خاصة الناس؛ فماذا يكون حال عامتهم؟! وإذا كان الله تبارك وتعالى قد جعل بحكمته لكل شيء سبباً؛ فلست أشك أن سبب هذا الإهمال لذكره - مع اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشد الاهتمام في التحذير من فتنته؛ كما ستراه فيما يأتي في أول قصته -إنما هو تشكيك بعض الخاصة في الأحاديث الواردة فيه؛ تارة في ثبوتها وعدم ورودها بطريق التواتر -زعموا- وتارة في دلالتها كما تقدم بيانه، فكان من الواجب أن يقوم أهل العلم بواجبهم؛ فيبينوا للأمة ما حدثهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتنة الدجال وقتل عيسى عليه الصلاة والسلام إياه؛ بنفس الطريق التي تتلقى الأمة به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ما يتعلق بدينها- من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وغيرها، ألا وهو الحديث النبوي - وبذلك يقضى على السبب المشار إليه، ويعود الناس فيذكرون الدجال وفتنته، فيتخذون الأسباب لاتقائها، فلا يغترون بأضاليله وتحاريفه التي لا يصدق بإمكان وقوعها من مِثله إلا المؤمن - الذي لا يرتاب أدنى ارتياب فيما جاء من أنواع الفتن، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[القصص: ٦٨].
فإذا علم المؤمن بذلك وآمن به؛ اتخذ الأسباب التي تعصمه من فتنته؛ وهي: