قال الشيخ الإمام العالم الأوحد، تاج الأدب وحجّة العرب، فريد دهره ونسيج وحده، عفيف الدين أبو الحسن عليٌّ بن عدلان بن حماد بن عليّ الموصليّ أمتع الله بحياته:
الله أحمد على أن كرّمنا كما خيّرنا وفضّلنا بالألسنة الناطقة حين صوّرنا بمبعث محمدٍ، صلوات الله عليه وسلامه، إلى الحمراء والسوداء، ومفضله على ساكني الغبراء والخضراء، ومهلك كلّ جانحٍ عن سنن شريعته الزاهرة، ومبيد المنحرف عن لألاء براهينه القاهرة، ومشرّفه بالكتاب العربيّ الذي أعجز الفصحاء حسن نظامه، وأفحم البلغاء بديع إحكامه، وموكلّ فهم أسراره المصونة إلى الأدباء المتفحصين عن دقائق كلام العرب ومعانيه، والباحثين عن حقائق غوامضه، ومبانيه، فحين علموا شرف اللغة العربية آثروا صونها عن التخليط والتحريف، وفرقوا بين تعذير المترص منها بالضعيف، فوضعوا كتب اللغة المنقولة عن أبيات العرب مانعةً من اضطراب المسميّات في إطلاق المطلقين، وألفوا كتب النحو على اختلاف حلى كلمها الفارقة بين المعاني المتعلجة في صدور المتكلمين، وصنّفوا كتب التحريف حافظةً لمباني تلك الكلم المترددة بين المتحاورين.
كلّ ذلك اهتماماً بحفظ محاسن اللغة المشّرف مقدارها، المرفوع منارها، ففضلها بارز لا يدفع وخصلها الشافي لا يبرقع، فما ندبت أن نصب الزمان منابه ... . إذ أودى بها وحرّفها، وما فتئ الدهر حتى أناخ كلكله على جلابيب وجهها فخّرقها، وهي مع ذلك موادّ العلوم ومدارها لانحصار تحصيل المعاني في الخطاب اللساني والنطق البياني، فكم من غاضٍّ لها وغاضٍّ عليها، وماصعٍ لأديمها وماصعٍ لقويمها، وافتقاره إليها افتقار المحرص إلى زوال حرصه، فهي كالمثل السائر:(الشّعير يؤكل ويذم) .