فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْفَاعِل إِذا تقدم الْفِعْل ارْتَفع بِالِابْتِدَاءِ، ولابد للْفَاعِل من فعل، فَإِذا لم يظْهر الْفَاعِل بعده استتر فِيهِ ضمير الْفَاعِل، كَقَوْلِك: زيد قَامَ، وَالتَّقْدِير: زيد قَامَ هُوَ، وَإِذا ثنيت ضَمِيره، فَقلت: الزيدان قاما، وَإِذا جمعت زيدا جمعت الضَّمِير، فَقلت: الزيدون قَامُوا، وَإِذا تقدم الْفِعْل لم يَجْعَل فِيهِ ضمير، وَالْأَفْعَال لَا تثني فِي أَنْفسهَا وَلَا تجمع، فَلهَذَا أفردت لَفظهَا فَقلت: قَامَ الزيدان، وَقَامَ الزيدون.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم استتر ضمير الْوَاحِد إِذا كَانَ لوَاحِد، وَلم يسْتَتر إِذا كَانَ لاثْنَيْنِ فَصَاعِدا؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْفِعْل لَا يَخْلُو من أَن يكون لَهُ فَاعل وَاحِد، وَقد يَخْلُو من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا، فَإِذا قدمنَا اسْما مُفردا قبل الْمَفْعُول، لم نحتج إِلَى إِظْهَار الْفَاعِل لدلَالَة تقدم الْأَسْمَاء عَلَيْهِ وإحاطة الْعلم بِهِ، فَإِنَّهُ لَا بُد للْفِعْل من هَذَا الْفَاعِل، وَأما إِذا ثنيت الِاسْم فَلَو أفردت فعلهمَا لم يعلم أَن الْفِعْل للاثنين، إِذْ قد يَخْلُو من ذَلِك فَوَجَبَ أَن تظهر عَلامَة التَّثْنِيَة، لِئَلَّا يدْخل الْكَلَام لبس، وَلِئَلَّا يعْتَقد الْمُخَاطب انْقِطَاع الْفِعْل عَن الاسمين الْمُتَقَدِّمين، وَأَنه خبر مُبْتَدأ.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا وَجه قَول الْعَرَب: (أكلوني البراغيث) ؟
قيل لَهُ: فِي ذَلِك وُجُوه.
أَحدهَا: أَن يكون الْكَلَام على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، أَي: البراغيث أكلوني، وَهَذَا الْأَشْبَه بِهِ.
وَوجه آخر: أَنه يجوز أَن يكون الْإِضْمَار وَقع على شريطة التَّفْسِير، فَيكون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute