(٥ - بَاب حُرُوف الْخَفْض)
فَإِن قَالَ قَائِل: لم صَارَت هَذِه (اللَّام وَمن) وَسَائِر مَا يجر من الْحُرُوف يعْمل الْجَرّ دون النصب وَالرَّفْع؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن حُرُوف الْجَرّ تكون موصلة للأفعال إِلَى مَا بعْدهَا، فَتدخل مرّة على الْفَاعِل، وَمرَّة على الْمَفْعُول بِهِ، كَقَوْلِك فِي الْفَاعِل: مَا جَاءَنِي من أحد، وَالْأَصْل: مَا جَاءَنِي أحد، وَتدْخل على الْمَفْعُول، كَقَوْلِك: مَا رَأَيْت من أحد، وَمَعْنَاهُ: مَا رَأَيْت أحدا، فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْحُرُوف تدخل على الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، جعل حركتها بَين حَرَكَة الْفَاعِل وَالْمَفْعُول متوسطا، وَهُوَ الْكسر، لِأَنَّهُ وسط اللِّسَان، وَالضَّم من الشّفة، وَالْفَتْح من أقْصَى الْحلق، فَلهَذَا خص بِالْجَرِّ.
وَاعْلَم أَن (عَن) تكون اسْما وحرفا، إِذا كَانَت اسْما دخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ وَصَارَت بِمَنْزِلَة النَّاحِيَة، كَقَوْلِك: زيد من عَن يَمِين عَمْرو، قَالَ الشَّاعِر: ( ... فَقلت: اجعلي ضوء الفراقد كلهَا ... يَمِينا ومهوى النَّجْم من عَن شمالك ... )
وَإِذا كَانَت حرفا لم يحسن دُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا، كَقَوْلِك: رميت عَن الْقوس، وَمَا أشبه ذَلِك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute