اعْلَم أَن (من) مَبْنِيَّة، لِأَنَّهَا فِي الِاسْتِفْهَام نائبة عَن حرف الِاسْتِفْهَام، وَفِي الشَّرْط نائبة عَن حرف الشَّرْط، وَفِي الْخَبَر بِمَنْزِلَة (الَّذِي) فقد صَارَت كبعض اسْم، فَوَجَبَ بناؤها فِي جَمِيع الْمَوَاضِع، وخصت بِالسُّكُونِ لِأَنَّهَا لم تقع متمكنة، وَهِي تقع على من يعقل، كَقَوْلِك: من فِي الدَّار؟ فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن يُقَال: زيد أَو عَمْرو، وَلَا يُقَال: حمَار وَلَا ثوب. وَحكمهَا فِيمَا يعْمل فِيهَا، وَيمْنَع من الْعَمَل فِيهَا، كَحكم _ (أَي) ، فَإِذا قَالَ الرجل: رَأَيْت رجلا، فَقلت: منا، فِي الْجَواب، وَإِنَّمَا ألحقت (من) ألفا، لتبين أَنَّك تسْأَل عَن الرجل الْمَذْكُور، إِذْ كَانَ مَنْصُوبًا، وَكَذَلِكَ تزيد واوا فِي الرّفْع، وياء فِي الْجَرّ، وَإِنَّمَا زادوا هَذِه الْحُرُوف بدل الْإِعْرَاب، أَنهم يطْلبُونَ هَذِه العلامات فِي الدرج، فَلَو أعربوا (من) ، لسقط إعرابها فِي الْوَقْف، إِذْ كَانَ الْإِعْرَاب لَا يُوقف عَلَيْهِ، فعوضوا مِنْهُ هَذِه الْحُرُوف، إِذْ كَانَت تقع دلَالَة على الْإِعْرَاب فِي نَحْو قَوْلك: أَخُوك، وأخاك، وأخيك.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جعلُوا الْعَلامَة فِي لفظ (من) ، وَلم يَأْتُوا بِلَفْظ الرجل مَنْصُوبًا، فيقولوا: من رجلا؟ كَمَا يَقُولُونَ ذَلِك فِي المعارف الْأَعْلَام؟ .
فَالْجَوَاب عَن ذَلِك: أَن النكرَة لَا تدل على شخص بِعَيْنِه، وتكررها يدل على أشخاص مُخْتَلفَة لما ذَكرْنَاهُ أَنَّهَا غير دَالَّة على شخص بِعَيْنِه، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: رَأَيْت رجلا، وَجَاءَنِي رجل، لَكَانَ الظَّاهِر أَن يكون الَّذِي جَاءَك غير الَّذِي رَأَيْته، فَلَو قَالُوا: من رجلا؟ لجَاز أَن يتَوَهَّم أَن المسؤول عَنهُ (رجلا) غير الْمَذْكُور،