فَلَمَّا كَانَت (كم) تقع فِي الِاسْتِفْهَام للتكثير والتقليل، صَار متوسط الحكم بَين الْقَلِيل وَالْكثير، فَجعل لَهَا حكم الْأَعْدَاد المتوسطة بَين الْكَثِيرَة والقليلة، وَمَا بَين الْمِائَة إِلَى الْعشْرَة فَمَا دونهَا، فالعشرة فَمَا دون للقلة، وَالْمِائَة فَمَا فَوْقهَا للكثرة، وَمَا بَينهمَا هُوَ الْمُتَوَسّط، فَلذَلِك جَازَ أَن ينصب بهَا فِي الِاسْتِفْهَام، وَجعلت فِي الْخَبَر خافضة، حملا على لفظ الْعدَد الْكثير، أعنى الْمِائَة فَمَا فَوْقهَا، وَإِنَّمَا خصت بِأَن جعلت صدر الْكَلَام، لدُخُول معنى الِاسْتِفْهَام فِيهَا، وَجعلت فِي الْخَبَر كَذَلِك، لِأَنَّهَا نقيضة (رب) ، وَرب تقع صدر الْكَلَام، لِأَن فِيهَا معنى النَّفْي، إِذْ كَانَت الْقلَّة نفي الْكَثْرَة، فَلَمَّا دَخلهَا معنى النَّفْي - وَالنَّفْي لَهُ صدر الْكَلَام - حملت عَلَيْهَا لما ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جَازَ أَن يعْمل فِيهَا مَا تجر من بَين سَائِر العوامل؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْجَار وَالْمَجْرُور كالشيء الْوَاحِد، فَلَا يجوز انْفِصَال الْجَار من الْمَجْرُور وقيامه بِنَفسِهِ، كَمَا يجوز انْفِصَال الرافع من الْمَرْفُوع، والناصب من الْمَنْصُوب، فَصَارَ تَقْدِيم الْجَار عَلَيْهِ ضَرُورَة، وَلم يجز تَقْدِيم ذَلِك فِي الرافع والناصب، إِذْ لَيْسَ مُضْطَرّا فِيهِ إِلَى ذَلِك. وَاعْلَم أَنَّك إِذا قدرت دُخُول الْجَار عَلَيْهَا بِحَال الِاسْتِفْهَام، قدرت الِاسْتِفْهَام على حرف الْجَرّ، كَقَوْلِك: على كم جذعا بَيْتك مَبْنِيّ؟
وَإِنَّمَا وَجب التَّقْدِير على مَا ذكرنَا، لِئَلَّا يتَقَدَّم الْعَامِل على حرف الِاسْتِفْهَام.
وَأما فِي الْخَبَر فالعلة فِيهَا مَا ذكرنَا، وَالْجَار دَاخل عَلَيْهَا من غير توَسط، إِن شَاءَ الله.
وَاعْلَم أَن النصب فِيهَا على تَقْدِير تَنْوِين فِيهَا، كَمَا أَن النصب بِخَمْسَة عشر وَأَخَوَاتهَا على تَقْدِير التَّنْوِين بهَا، فَمن خفض بهَا فِي الِاسْتِفْهَام فعلى وَجْهَيْن:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute