جعل الْمُبين بِوَاحِد ثمَّ ذكر بعض مَا جَاءَ فِي كَلَامهم خَارِجا عَن الْقيَاس، فَمن ذَلِك (لدن) وَهِي ظرف بِمَنْزِلَة (عِنْد) ، وَالنُّون من نفس الْكَلِمَة، فَكَانَ حَقّهَا أَن تخْفض مَا بعْدهَا، إِلَّا أَن بعض الْعَرَب يحذف النُّون تَخْفِيفًا، ثمَّ يردهَا بَعضهم، فَيقدر النُّون فِيهَا أَنَّهَا زَائِدَة، فَلهَذَا جَازَ أَن ينصب بهَا (غدْوَة) ، وَيجوز أَن يكون فعلوا ذَلِك لِكَثْرَة اسْتِعْمَال (لدن) مَعَ (غدْوَة) ، أَو قدرُوا مَا ذَكرْنَاهُ، فنصبوا (غدْوَة) بذلك التَّقْدِير، فيخف اللَّفْظ، وَخِفته من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن النصب أخف من الْجَرّ.
وَالثَّانِي: أَن الْجَار وَالْمَجْرُور (٧٩ / ب) كالشيء الْوَاحِد، والمنصوب كالفضلة، وَمَا هُوَ فضلَة أخف من اللَّازِم، فَلهَذَا عدل ب (لدن) مَا ذَكرْنَاهُ
وَبَعض من رد النُّون تَشْبِيها بالنُّون الْخَفِيفَة فتح مَا قبلهَا، وَكَانَ ذَلِك طلبا للتَّخْفِيف، أَي: لتخفيف الْكَلِمَة لكثرتها فِي كَلَامهم، وَالْفَتْح أَعم من الضَّم، وَذَلِكَ قَوْلهم: (مَا أشعرت بِهِ بشعرة) ، كَانَ الْقيَاس إِثْبَات هَاء التَّأْنِيث فِي قَوْلهم: (لَيْت شعري) ، وَلَكنهُمْ حذفوا الْهَاء لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: للتَّخْفِيف، إِذْ كَانَ هَذَا كثيرا فِي كَلَامهم.
وَالثَّانِي: إِثْبَاتهَا يُؤَدِّي إِلَى لفظ مستقبح، فَلهَذَا حذفوا التَّاء.
وَكَذَلِكَ ألزموا أنفسهم فتح الْعين فِي قَوْلهم: لعمرك، لِكَثْرَة الْقسم فِي كَلَامهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute