للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَهوا مِنْهُ على مَذْهَب أَصْحَابنَا.

وَالْوَجْه فِي إِبْطَالهَا ومخالفتها لأخواتها: أَن (إِن وَلَكِن) لَهما معَان فِي أَنفسهمَا أَكثر من الْإِيجَاب الَّذِي يسْتَحقّهُ الْمُبْتَدَأ، وَإِنَّمَا يدخلَانِ لتوكيد الْإِيجَاب. وَكَانَ حَقّهمَا أَلا يعملا شَيْئا وَلَكِن شبها بِالْفِعْلِ من جِهَة لَفْظهمَا دون مَعْنَاهُمَا، فَصَارَ عملهما ضَعِيفا، فَإِذا أدخلت عَلَيْهِمَا (مَا) حَالَتْ بَينهمَا وَبَين مَا يعملان فِيهِ فضعفا عَن الْعَمَل، وَأما أخواتها فَفِيهَا مَعَاني الْأَفْعَال، نَحْو: التَّشْبِيه والترجي وَالتَّمَنِّي، وتزيل أَيْضا معنى الِابْتِدَاء فَقَوِيت، فَجَاز أَن تعْمل مَعَ وجود الْحَائِل بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ.

فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم صَار عمل هَذِه الْحُرُوف - إِذا دخلت بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ - أَضْعَف من حُرُوف الْجَرّ إِذا دخلت بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ؟

قيل لَهُ: إِن حُرُوف الْجَرّ تعْمل على أَنَّهَا أصل فِي الْعَمَل، وَلَيْسَت مشبهة بغَيْرهَا. فَأَما هَذِه الْحُرُوف فَإِنَّهَا تعْمل تَشْبِيها بِالْفِعْلِ، فَمَا هُوَ أصل فِي نَفسه أقوى مِمَّا هُوَ مشبه بِغَيْرِهِ.

فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم صَارَت (مَا) بِالزِّيَادَةِ أولى من سَائِر الْحُرُوف؟

قيل لَهُ: لِأَنَّهَا تصرف على جِهَات كَثِيرَة، وَلَيْسَ مَعَ هَذَا لَهَا معنى فِي نَفسهَا إِذا كَانَت زَائِدَة، فَحسن إلغاؤها من بَين سَائِر الْحُرُوف، لِكَثْرَة تصرفها وَزَوَال مَعْنَاهَا، وَقد يُمكن أَن تجْعَل (مَا) فِي قَوْله تَعَالَى: {فبمَا نقضهم ميثاقهم} غير زَائِدَة، وَتَكون اسْما بِنَفسِهَا مُبْهما، ونقضهم: بدل مِنْهَا.

<<  <   >  >>