فَإِن قيل: فَهَلا كَانَ أَيْضا التَّقْدِير فِي الْجَزْم هَذَا التَّقْدِير، حَتَّى يخرج عَن حَاله؟
قيل لَهُ: الأَصْل فِي الْجَزَاء ب (إِن) ، وَأَنت إِذا قلت: إِن تأتني آتِك، فوقت الْإِتْيَان غير مَعْلُوم، فَلَمَّا كَانَ أصل الْجَزَاء أَن يَقع مُبْهما، وَكَذَلِكَ (مَتى وَأَيْنَ) ، قَدرنَا (كَيفَ) أَنَّهَا وَاقعَة على حَال مَعْلُومَة عِنْد الْمجَازِي، خرجت من الْإِبْهَام، وباينت حُرُوف الْجَزَاء، فَلهَذَا لم يجز الْجَزْم بهَا على تَقْدِير حَال مَعْلُومَة.
وَوجه ثَان فِي أصل الْمَسْأَلَة: أَن الْجَزَاء أَصله يَقع بالحروف إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى الْأَسْمَاء، لما ذَكرْنَاهُ من الْفَائِدَة، فَإِذا لم يضْطَر إِلَى اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء، لم يجز أَن يجازى بالأسماء.
وَوجدنَا (أيا) تنوب عَن معنى (كَيفَ) ، فاستغني بهَا عَن (كَيفَ) . أَلا ترى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ: فِي أَي حَال تكن أكن، فَهُوَ فِي معنى: كَيفَ تكن أكن، فَلَمَّا كَانَت (أَي) تَتَضَمَّن الْأَحْوَال وَغَيرهَا، استغني بهَا عَن (كَيفَ) .
وَوجه ثَالِث: أَن الْجَزَاء إِنَّمَا هُوَ ب (إِن) ، وسنبين ذَلِك فِي بَابه، و (إِن) لم يخْتَص بالمعرفة دون النكرَة، أَلا ترى أَنَّك تَقول: إِن يقم زيد أقِم، وَإِن يقم رجل من النَّاس أقِم. وَكَانَت (مَتى وَأَيْنَ) يَصح أَن يَقع جوابهما معرفَة ونكرة، كَقَوْلِك: أَيْن زيد؟ فَيَقُول: فِي الدَّار، وَإِن شِئْت قلت: فِي دَار، فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا، وَكَذَلِكَ حكم (مَتى) فِي الْأَوْقَات.
وَأما (كَيفَ) : فَلَا يَقع جوابها إِلَّا نكرَة، فخالفت حُرُوف الْجَزَاء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute