{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك}[يوسف: ٤٢] . حيث كانت نفسه تتشوف إلى الخروج من السجن، وقد كانت الأيام الأولى، أو قل الأشهر الأولى من سجنه، ولنتصور الحالة التي كان عليها بلاط الملك وحاشيته في هذه الآونة:
١- كانت الشائعات التي تموج بها المدينة وأهل البلاط حول امرأة العزيز وفتاه، ومما أجبر الملك -على الرغم من تأكده من براءة يوسف- على أن يزج بيوسف في السجن قطعًا للقيل والقال. فعودة يوسف على الساحة من جديد يلقي بالوقود على النار من جديد ويذكي الشائعات والأراجيف مرة أخرى.
٢- امرأة العزيز التي شففها حب يوسف، لئن كانت الصدمة قد صعقتها عندما امتنع يوسف ولم يرضخ لرغبتها الجامحة، إلا أن تعلق القلب به لا يمكن أن يسكن خلال هذه الفترة القصيرة، بل لعلها أعادت شيئًا من معنوياتها المنهارة عندما ِأقامت الحجة على قريناتها من نسوة المدينة، واستلت منهن الاعتراف قسرًا، بأن أي أنثى لو كان مكانها لوقفت مثل هذا الموقف ولحاولت مثل هذه المحاولة وهي كأنثى معذورة في هذه المراودة في منطق الإناث، فإخراج يوسف من السجن مرة أخرى وخلال هذه الفترة القصيرة سيجلعها متوفرة للثأر من كرامتها وإعادة المحاولة مرة أخرى، وستلقي متاعب جديدة في طريق يوسف عليه السلام، الذي يعده ربه سبحانه وتعالى على عينه لمهمة أعظم من ذلك. ليكون أبا الأنبياء، وليتمكن من إحضار آباء الأسباط الذي ستكون منهم أسباط بني إسرائيل.
٣- لو خرج يوسف عليه السلام من السجن في هذه المرحلة فلن يشعر به أحد، لعدم الحاجة إليه في هذا الظرف، فهو أحد أفراد الحاشية -وما أكثرهم- والبلاد في بحبوحة من عيشها ورغد من رزقها، أما عندما تكون هنالك بوادر أزمات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية فإن أهل الكفاءات والخبرات في هذه المجالات تتعلق بهم القلوب، ويمكن أن تضحى الجماهير بأرواحها في سبيل الحفاظ على حياتهم، وتبوئهم المكانة السامية الرفيعة، لأنها تنظر إليهم أنهم المنقذون لها في هذه المرحلة، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، وهذا ما كان يهيئه الله سبحانه وتعالى ليوسف.