جاء في سبب النزول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للقوم القرشيين -عندما سألوه الأسئلة الثلاثة:"ائتوني أخبركم غدًا"، فلبث الوحي فترة حتى أرجف أهل مكة.
وجاء أثناء التعقيب على المجادلين في شأن أهل الكهف -عددهم، ومدة لبثهم:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} .
لا شك أن في هذا الإرجاء في الجواب -في هذا الموقف الحرج- إحراجًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل من حكمة في هذا الإرجاء؟!
إننا نعتقد جازمين أن الحكمة كل الحكمة، والخيرة للمرء فيما اختاره الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، وعلى رأسها الخيار الذي يختاره الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله، وقد يظهر لنا وجه الحكمة وقد يخفى، ولكن مشيئة الله وخيرته في ذلك خير وأبقى.
ولعل من وجوه الحكمة في هذا الإرجاء ما ندركه في الأمور الثلاثة التالية:
أ- جانب تربوي للأمة من خلال هذا الموقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى المؤمن أن يربط كل شيء بمشيئة الله سبحانه وتعالى وإرادته، ولا يغفل عن ذلك، وإن غفل عنه فليذكره في أول سانحة أو خاطرة {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت} ١.
ب- أن في هذا الإرجاء برهانًا -بصورة غير مباشرة- لقريش على أن محمدًا ليس له من أمر الوحي سوى التلقي والتبليغ، وأنه مكلف بهذه المهمة ومؤاخذ على التقصير فيها، وليس له أن يختلق شيئًا من عند نفسه، أو يبدل شيئًا أو يقدم أو يؤخر أو يكتم، وهذا الجانب أكدته آيات كثيرة:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}[الحاقة: ٤٤-٤٦] .
وإذا تذكرنا أن أصل الاستفسار وإيراد الأسئلة كان للتحقق من صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة أدركنا أهمية هذا اللون البرهاني من واقع الأحداث
١ لم يأت التنبيه على ذكر المشيئة إلا بعد الإجابة على سؤله، وفي ذلك تكريم لرسوله وإيناس لنفسه، لأن في المبادرة بالنهي توهم الإعراض عن الإجابة، وهذا شأن تعليم الحبيب المكرم.