لقد أطلنا في العرض الإجمالي لهذا المقطع، لذا نكتفي به عن العرض التحليلي مخافة الإطالة وتجنبًا للتكرار، وبعض النقاط الهامة سنذكرها في جملة فقرات العظات والعبر.
اشتمل هذا المقطع على حكم جليلة -شأن المقاطع جميعًا- وفيما يلي نذكر جملة منها:
١- في تقديم الحديث عن فقراء الصحابة والصبر معهم، وعدم سماع قول المشركين الغافلين عن ذكر الله على قصة صاحب الجنتين حكم منها:
أ- ربط المثل والقصة بالواقع المحسوس المشاهد أشد أثرًا في النفس وأقوى دلالة على المطلوب، فعندما ذكر واقع هؤلاء وأولئك ومصير كل، جاء المثل ليقرر الحقائق ويبين القيم والمعاني التي يعتنقها كل فريق.
ب- وجود شبه ومناسبة بين الفتية المؤمنين، أصحاب الكهف، وبين الفتية الفقراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج- لو ذكرت قصة صاحب الجنتين بعد قصة أصحاب الكهف مباشرة لكان الانتقال من قصة إلى قصة، وفي ذلك إغراق في الخيال للمستمع والقارئ وإيغال في الأمور النظرية. مما يؤدي إلى أثر عكسي عليهما بينما التنويع في أسلوب العرض بين الأحداث الواقعية وضرب الأمثلة وسوق القصص ينشط الذهن ويحمل النفس على التفاعل مع القضايا المعروضة.
٢- ينبغي أن تكون الدعوة جماهيرية المنحى، ولا يجوز حصرها في طبقة معينة، وإذا حاولت طبقة ما: من المثقفين، أو النجار أو العمال، أو الفلاسفة، أو العسكريين حصر القيادة فيهم ستقع الفجوة بين القاعدة الجماهيرية، وبين القيادة، ويؤدي بالتالي هذا الوضع إلى تبلد إحساس القيادة بمشاكل عامة المسلمين، وتزداد النقمة من العامة على القيادة، لذا كان الصبر مع الحريصين على الدعوة المقبلين على الالتزام بمبادئها، والتضحية في سبيلها من أساسيات الصفات القيادية في الزعامة المؤمنة.
والمخلصون الباذلون الربانيون هم بطانة القيادة وموضع شوراها بغض النظر عن الأنساب والطبقات والمستوى المعاشي {وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .