للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[العظات والعبر من فقرة اللقاء والحوار]

١- تواضع الطالب للمعلم وإشعاره بهذا التواضع، يكون أدعى إلى توجه المعلم القلبي، فيبارك الله في العلم وتفتح آفاق المعرفة أمام الطالب ويبرز هذا التواضع في مخاطبة موسى عليه السلام للعبد الصالح بصيغة الاستفهام {هَلْ أَتَّبِعُك} ، أي هل تأذن لي أن أكون لك تبعًا؟، ولم يقيد هذ التبعية بجانب من جوانب الصحبة أو الخدمة وإنما أطلقها، وفي ذلك إبراز لجانب الثقة المطلقة في المعلم.

٢- رفع المعلم إلى مقام رفيع والاعتراف له بالأستاذية، وإنزال النفس مكان التلمذة، تقدير لمكانة الأستاذ، وتواضع وهضم نفس من جانب الطالب، وهو من أسباب حصول النفع بإذن الله للطالب، لأن استشعار الطالب بهذا الفارق الكبير بينه وبين معلمه يزيده حرصًا على عدم تفويت شيء مما يقوله معلمه، بينما تكبر الطالب ورؤيته نفسه أنه أعظم قدرًا، أو أكثر فهمًا من أستاذه فمن الحواجب التي تحجب بين الطالب والفائدة من هذا الأستاذ١.

أبرز موسى عليه السلام هذا الجانب من الفرق بينه وبين العبد الصالح بقوله {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} ، فعلم الخضر عليه السلام قد تلقاه من الله جل جلاله، يدل على ذلك سياق الآيات "وعلمناه" وبناء الفعل للمفعول "عُلمت".

أما تعليم موسى فيكون على يد العبد الصالح "تعلمني"، وكأنه يقول إن الفرق بين علمك وعلمي كالفرق بين المعلمين، وهذا منتهى التقدير والاعتراف بالمنة، كما قيل: "من علمني حرفًا كنت له عبدًا" وقال شعبة: من أخذت منه أربعة أحاديث أقررت له بالعبودية حياتي.


١ يقول الإمام النووي: قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى انتفاعه به، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني. انظر التبيان في آداب حملة القرآن/ ٢٣.

<<  <   >  >>