للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لساعة النسيان التي كانت وراء هذه الرحلة العلمية١. وهي في نفس الوقت من الحوافز لحرص موسى عليه السلام للمصاحبة والتلقي، لذا نراه يوافق مسبقًا على الشروط وأنه سيكون عند حسن ظن العبد الصالح به، ولا ينسى أن يربط ذلك بالمشيئة الربانية {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} .

ووقفة مع دلالات هذه الفقرة وعظاتها وعبرها.


١ ذهب المفسرون مذهبين في الدافع للخضر عليه السلام إلى القول: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} في بداية اللقاء. الأول: لبيان أن المجال الذي يعمل فيه -تنفيذًا لأوامر ربه- غير المجال الذي كلف به موسى لأداء رسالة ربه، ولكي لا يتوهم موسى أن يتهمه بالقصور أو العجز، فأسرع إلى بيان السبب، بأن هذا ليس مما كلف به موسى والأنبياء المرسلون الآخرون، بل هو من الأشياء التي لم يحط بها البشر خبرًا، فإن لم يصبر عليها موسى فليس مؤاخذًا ولا متهمًا بالتقصير، فقال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرً} ، تبريرًا وإعذارًا مسبقًا لموسى إن لم يصبر.
والمذهب الثاني للمفسرين: هو أن الخضر اختار الكلمات والأسلوب قصدًا إلى التعليم وإبراز مكانة العلم وعزته، لذا جاء قوله مؤكدًا بخمس مؤكدات:
أ- "إن" المفيدة للتوكيد.
ب- لن والنفي بها آكد من النفي بغيرها من أدوات النفي.
جـ- العدول عن -لن تصبر- إلى قوله: {لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} وذاك يفيد نفي الصبر بطريق برهاني فكأنه قال له: إني مطلع على أحوالك وقدرتك على الاحتمال فوجدتك بعد المعاينة أنك لا تستطيع الصبر.
د- تنكير "صبرًا" في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، فكأنه قال: لا تصبر معي أصلًا شيئًا ولو يسيرًا من الصبر.
هـ- ثم تعليل عدم الصبر بعدم إحاطته بهذه الأمور مؤكد خامس.
فعلى هذا المذهب قول الخضر: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} تعجيب من شأنه وتوجيه تربوي لاستشرافه وعزمه.
ولعل ما تقدم في الحديث الصحيح من دوافع الخروج ونقاط الحوار بينهما يرجح المذهب الثاني. وهو الذي رجحته وجريت عليه في الفقرات اللاحقة.

<<  <   >  >>