هذه الفقرة على وجازتها واختصار عباراتها تعد من الذخائر القرآنية التي لا يحاط بمعانيها وقد استنبط المفسرون آدابًا وحكمًا من هذه الآيات المعدودة، وسأذكر طرفًا من هذه الحكم عند الحديث عن العظات والعبر.
لكني أذكر قبل ذلك: المنزلق الذي هلك فيه بعض الناس.
لقد ضلت طائفتان في شأن أفضلية موسى على الخضر عليهما السلام، والمنطلق الذي انطلقوا منه أن الأستاذ ينبغي أن يكون أفضل من التلميد فكيف يذهب موسى عليه السلام للتلقي من الخضر عليه السلام؟
فذهبت طائفة -مقتفية أثر اليهود- إلى أن موسى المذكور في القصة ليس موسى بن عمران رسول الله، وإنما هو رجل آخر من بني إسرائيل وكان نوف البكالي يقول بهذا وهو ما رد عليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما تقدم في حديث البخاري.
والدافع لهذه الطائفة للذهاب هذا المذهب هو أن في هذا التلقي ازدراء وتحقيرًا لنبي الله موسى عليه السلام، وهم يريدون بهذا الإنكار إبعاده عن ذلك.
وضلت طائفة أخرى عندما قررت المبدأ نفسه وقالت إن الأستاذ ينبغي أن يكون أفضل من التلميذ، ولما ثبت أن نبي الله موسى عليه السلام ذهب إلى ولي الله الخضر عليه السلام، فالخضر أفضل من موسى والولي أفضل من النبي، وعمموا هذه القاعدة إلى أبعد من ذلك ليقولوا، إن الولي قد يصل إلى مرتبة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل. وهذه ضلالة وجهالة، فالولي أحد أتباع نبي من الأنبياء وأحد المتلقين لشرائع الله عن طريق النبي، فكيف يكون أفضل من النبي نفسه أو تكون مرتبته أعلى من مرتبة النبي؟
وقد ذهب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري إلى كفر القائلين بهذا القول لمخالفتهم أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة.