للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقول الحق في ذلك: أن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية، كما أن الأفضل قد يتلقى من الفاضل، ولا يعد ذلك نزولًا للملتقي عن مرتبته أو مكانته أو ازدراء له وتحقيرًا.

وموسى عليه السلام أفضل من الخضر بالاتفاق، لأنه نبي ورسول، أنزل الله عليه التوراة وأسمعه كلامه {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} كما أنه من أولي العزم من الرسل المذكورين في قوله الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: ٧] . والخضر عليه السلام مختلف في نبوته، وليس رسولًا باتفاق١.

وخلال اللقاء القصير تدور محاورة بين الرجل الصالح وبين موسى عليه السلام، نلاحظ فيه شخصية الرجل الصالح المملية للشروط، الواقفة موقف


١ ذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة إلى التفريق بين النبي والرسول:
فالنبي: من أتاه الوحي من الله ونزل عليه الملك بالوحي.
والرسول: من يأتي بشرع على الابتداء أو بنسخ بعض أحكام شريعة قبله. فكل رسول نبي لا العكس. انظر: أصول الدين لأبي منصور البغدادي: ١٥٤.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"النبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول". انظر: كتاب النبوات: ١٧٢.
فالتفريق عند ابن تيمية ينصب على قضية المبالغين أو المكلفين فإن كانوا من أتباع شريعة سابقة ووجد فيهم التقاعس عن أمور الشريعة فالنبي يجدد أمر الشريعة في نفوس هؤلاء وفي الأصل لم يكونوا مخالفين معاندين أما الرسول فيرسل إلى قوم مخالفين ليبلغهم رسالات الله سواء كانت شريعة منزلة عليه ابتداء أو شريعة رسول سابقة عليه.
بينما التفريق بين النبي والرسول على قول أبي منصور البغدادي فينصب على الشريعة نفسها فالنبي يكون على شريعة نبي سابق عليه، يوحي إليه لتجديدها في نفوس الأتباع أو دعوة المخالفين إليها.
أما الرسول فيأتي بشريعة مستقلة ابتداء أو بنسخ وزيادة أو تعديل في شريعة من سبقه.

<<  <   >  >>