للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعلم المربي، الواثقة من نفسها المتحدثة عن الحقائق الغيبية.

كما نلاحظ شخصية موسى عليه السلام المتلهفة لطلب المعرفة، المتواضعة أشد درجات التواضع، الحريصة على الظفر بالقبول عند الرجل الصالح ولقد أشارت الآيات الكريمة إلى جانب من تفخيم شأن الرجل الصالح، فهو عبد من خواص عبيد الله، المنسوبين إلى الله جلا جلاله والعبودية منتهى درجات الكمالات الإنسانية وما ذكر أحد في القرآن الكريم بصفة العبودية المنسوبة إلى الله تعالى إلا في سياق التكريم والتشريف١.

كما أن في ذكر إيتائه رحمة من عند الله إضفاء مزايا جليلة على مكانته وفي ذكر تعليمه العلم اللدني تشريف وتوقير له. كل ذلك في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} .

ولعل سياق النص الكريم يدل بإشاراته وظلاله إلى ما ورد في الحديث الصحيح من سبب خروج موسى عليه السلام، وعتب الله سبحانه وتعالى له. ليلقى من الرجل الصالح لونًا من ألوان الاستعلاء بالعلم اللدني. ولكن هذا. الاستعلاء لا يخرجه من إعادة الفضل والنعمة إلى مسديه كما ورد في صحبح البخاري: "فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك من سلام، من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيدك؛ وأن الوحي يأتيك؟ يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه ... فأخذ طائر بمنقاره من البحر، وقال: والله ما علمي وعلمك من جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر"٢.

إن الإشارة إلى سعة علم الله في هذا الموقف تذكير لموسى عليه السلام


١ انظر: مقطع افتتاحية سورة الكهف عند الحديث عن قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} : ١٩٣ من الكتاب.
٢ انظر: صحيح البخاري، كتاب التفسير: ٥/ ٢٣٣.

<<  <   >  >>