علم المناسبات وثيق الصلة بالتفسير الموضوعي -وبخاصة التفسير الموضوعي للسورة- وذلك لأننا نلحظ أن الآية أو مجموعة الآيات تنزل في أسباب مختلفة وحوادث متفرقة ثم توضع في سورة واحدة وقد تكون بين الآيات التي وضعت في موضع ما من السورة والآيات التي وضعت عقبها فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الأيام وقد تكون فترة طويلة تتجاوز عدة سنوات -كما في سورة النساء في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} والآيات التي قبلها من ٥١ إلى ٥٨- ولكننا عندما نقرءوها نجد أن وحدة الموضوع يجمعها ومرمى الهدف والغاية من سياقها جميعها شيء واحد.
لذا كان من المهم أن نلم أولًا بأطراف ما قيل في علم المناسبات بين الآيات في السورة الواحدة، وبين السور بعضها مع بعض، لنكون على بينة من هذا الأمر ولكي نضعه في الحسبان عندما نحاول تفسير السورة تفسيرًا موضوعيًا لندرك أن الفاصل الزمني لا دخل له في الحكم بمرامي السورة وأهدافها، فكما أن الزمن لم يكن له اعتبار قبل نزول القرآن إلى اللوح المحفوظ ثم إلى بيت العزة في السماء الدنيا، أُلغي هذا الاعتبار أيضًا بعد جمع القرآن بين دفتي المصحف، ولم يبق له إلا دلالات مساعدة في إلقاء الأضواء على مضمون الآية أو الحكم الذي تشتمل عليه الآية الكريمة، وتبقى القاعدة المطردة التي استنتجها جهابذة علماء هذه الأمة نصب عين كل باحث وهي:"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
وما أجمل قول الشيخ محمد عبد الله دراز بهذا الصدد:" ... إن كانت بعد تنزيلها جمعت عن تفريق فلقد كانت في تنزيلها مفرقة عن جمع، كمثل بنيان كان قائمًا على قواعده فلما أريد نقله بصورته إلى غير مكانه قدرت أبعاده ورقمت لبناته، ثم فرق أنقاضًا فلم تلبث كل لبنة من أن عرفت مكانها المرقوم، وإذا البنيان قد عاد مرصوصًا بشد بعضه بعضًا كهيئته أول مرة"١.