إن موسى عليه السلام لا يريد إرهاق الأستاذ ومطالبته بكل ما عنده وإنما يكتفي ببعض ما عنده الذي يراه الأستاذ صغيرًا أو قليلًا ولكنه في حد ذاته علم راشد عظيم.
وأيضًا بيان لجانب من تواضع موسى واستدرار عطف أستاذه لقبوله طالبًا عنده. فالفقير الذي يقول للغني:"أعطني من بعض ما أعطاك الله" يظهر قناعته باليسير ويبرز سعة ما عند الغني وأن ذلك لا يرهقه.
٤- العلوم التي يحرص عليها هي العلوم الراشدة وهي الوسيلة إلى الفلاح، وذلك تزكية للعلم لدى العبد الصالح "مما علمت رشدًا".
٥- في تواضع موسى عليه السلام على الرغم من مكانته وشرفه في قومه والحرص الشديد الذي أظهره لطلب العلم رفع لمكانة العلم والعلماء، وبيان أن الشرف يزداد بالعلم وأن التواضع في سبيل طلبه رفع للمكانة.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما:"ذلك طالبًا فعززت مطلوبًا"١.
٦- على المتعلم أن لا يعترض على أستاذه في بداية الطلب، لأن ذلك قد يؤدي إلى حرمانه من علوم أستاذه، وخاصة إذا لم تتبين له الطريقة المناسبة في توجيه السؤال بحيث لا يزعج أستاذه.
وكم كان أسلوب السؤال سببًا في الغضب والحرمان والعتاب:
انظر إلى أسلوب بني إسرائيل في الطلب {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}[البقرة: ٦٨] .
وإلى أسلوب استفسار الحواريين {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}[المائدة: ١١٢] .
فكأنه رب موسى وعيسى وليس ربهم؟ علمًا أن القوم مؤمنون بالله وبرسالة النبي الذي يخاطبونه؟!