للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد كان في الأفق بوادر مجاعة طاحنة -ولو بعد سبع سنوات مخصبة- فإن السبع العجاف التي تأكلها سيكون وقتًا عصيبًا إن لم تعد العدة من الآن وإن لم يكن التصرف حكيمًا، ستقع البلاد في مآزق وأزمات قد تثير الناس إلى الثورة والدمار، -والعامة والرعاع لا تسوقهم إلا بطونهم- إذن فالأمر جد، ولا بد من الاستعداد.

ويأتي دور يوسف عليه السلام لإملاء شروطه إذن، فبدلًا من أن يكون المعترف بإنعام الملك عليه لإخراجه من السجن -ليضيف رقمًا مهملًا على أرقام الحاشية- يكون الملك هو الراغب الملح في الإفراج عنه:

فالشرط الأول: أن يعاد إليه اعتباره، وتظهر براءته للناس جميعًا، وعلى رءوس الأشهاد، ولتكن صاحبة الدعوى أول المقرين والمعترفين، ولتذكر الحقيقة كاملة، {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: ٥١] .

الشرط الثاني: أن يتوجه الملك مع أعيان البلاط بالتأنيب والتوبيخ للمتسببات في هذه الأراجيف حول يوسف، {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يوسف: ٥١] .

وبعد أن ازدادت ثقة الملك بيوسف عليه السلام وأدرك قيمته وخبرته وأنه كنز لا يقدر بقيمة من المال ولا يساويه جيش من الرجال. ارتفعت مكانته عنده، وكانت هذه الثقة وهذه المكانة مقدمات لإيجاد القابلية عنده ليكون من أتباع دعوة يوسف عليه السلام، -ولم لا- فهو موطن سره وشوراه، وبطانته التي يعتمد عليها، فربما يكون النبي المرسل الذي يلقنه الهدايات الربانية وكان في الشرائع السابقة من الأمور المعتادة أن يوجد النبي في أمة، ويجود ملك تابع للنبي وشريعته، وبيده السلطة التنفيذية كما ورد ذلك في قصة طالوت١. ولا شك أن كون النبوة ورئاسة الدولة


١ انظر الآيات في سورة البقرة من ٢٤٦-٢٤٨.

<<  <   >  >>