للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجويني يعد مشبهًا.

ومن خلال هذا العرض لهذه النماذج من أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة التي وصموا فيها أهل السنة بلتشبيه، يتضح لنا أن القوم يعدون إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيهًا، وكل من أثبتها مشبهًا.

والحق أن أهل السنة لم يزيدوا في هذا الباب على أن قالوا كما قال ربهم وخالقهم عن نفسه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ١؛ فأثبتوا لله ما أثبت لنفسه من الصفات مع قطعهم بنفي المشابهة والمماثلة بين صفاته وصفات المخلوقات؛ فهم يصفون الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.

والمشبهة هم الذين يمثلون صفاته بصفات خلقه، كما قال الإمام إسحاق ابن راهويه: "إنما يكون التشبيه لو قيل يد كيد، وسمع كسمع"٢، أما إذا قيل: يد وسمع تليق بعظم الباري وجلاله من غير مشابهة أو مماثلة ليد وسمع المخلوق اللائق بعجزه وافتقاره فلا يعد ذلك تشبيهًا.

وأهل السنة من أشد الناس مقتًا للمشبهة والتشبيه لما قام في قلوبهم من جلال الخالق وعظمته، مع إثباتهم صفات الجلال والكمال التي ثبتت لله عز وجل، ولذلك يقول نعيم بن حماد "ت ٢٢٨ هـ": "من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر؛ فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه"٣؛ لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته.

وقال إسحاق بن راهويه: "من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من


١ سورة الشورى آية ١١.
٢ انظر: ابن حجر فتح الباري ١٣/ ٤٠٧.
٣ اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة ٣/ ٥٣٢، ح ٩٣٦.

<<  <   >  >>