كنت أود أن أستعرض مبدأ العدل عند الكثير من الأمم والأديان الأخرى إلا أني رأيت أن أكتفي بالحديث عن مبدأ العدل عند أهل الكتاب، اليهود والنصارى، لأمرين:
الأول: خشية الإطالة.
والثاني: أننا إذا تحدثنا عن العدل عند أهل الكتاب، وبينا ما وصلوا إليه من ظلم وجور، وجنوح عن العدل والإنصاف، وهم قوم أنزل الله إليهم الكتب، وأرسل إليهم الرسل تترى، ومع ذلك حادوا عن الحق وحرفوا وظلموا وطغوا واستبدوا؛ فكيف بغيرهم من الأمم التي لم تحظ بما حظوا به من توالي الرسالات وكثرة الأنبياء.
وسنتحدث في هذا المبحث عن العدل عند اليهود أولًا فيما بينهم، ثم فيما بينهم وبين غيرهم من الأمم، ثم عن العدل عند النصارى كذلك فيما بينهم، وفيما بينهم وبين الأمم الأخرى.
أولًا: مبدأ العدل عند اليهود
أ- العدل فيما بينهم:
لقد أمرهم أنبياؤهم أن يقوموا بالعدل والقسط، وأن لا يتظالموا، ولا يظلموا أحدًا، وأنزل الله عز وجل عليهم التوراة، يها هدى ونور، وفضل لهم فيها الحدود والأحكام والقصاص العادل. كما أخبر الله بذلك في القرآن الكريم؛ حيث قال تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ؛ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا